للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مصنفاته، وفتاواه، ومناسكه: استحبابَ زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجه المشروع، ولم يذكر في ذلك نزاعاً بين العلماء، وإنما ذكر الخلاف بينهم في السفر لمجرد زيارة القبور، واختار المنع من ذلك كما هو مذهب مالك وغيره من أهل العلم، وهو الذي اختاره القاضي عياض، والجويني، فينبغي أن يعرف الفرق بين محل النزاع وغيره، ولا يخلط بعضه ببعض، ولا ريب أن الإنسان إذا أتى مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، استحب له أن يفعل فيه ما يُشرع له من الصلاة والسلام على الرسول، والتسليم، والثناء عليه، فهذا هو المقصود من الزيارة الشرعية، والسفر إلى مسجده - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيه، وما يتبع ذلك مستحبٌّ بالنص والإجماع.

والسفر لمجرد زيارة القبر فيه نزاع، ومن سافر لمجرد قبر، فلم يزر زيارة شرعية، بل بدعية، فينبغي لمن أراد أن يعرف دين الإسلام أن يتأمل النصوص النبوية، ويعرف ما كان يفعله الصحابة والتابعون، وما قاله أئمة المسلمين ليعرف المجمَعَ عليه من المتنازَع فيه؛ فإن الزيارة فيها مسائل متعددة متنازَع فيها، ولكن لم يتنازعوا -فيما علمت- في استحباب السفر إلى مسجده، واستحباب الصلاة والسلام فيه، ونحو ذلك مما شرعه الله في مسجده، ولم يتنازع الأئمة الأربعة.

والجمهور: في أن السفر إلى غير الثلاثة ليس بمستحب، لا لقبور الأنبياء والصالحين، ولا غير ذلك؛ فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال. . . " حديث متفق على صحته، وعلى العمل به عند الأئمة المشهورين، وعلى أن السفر إلى زيارة القبور داخل فيه، فإما أن يكون نهياً، وإما أن يكون نفياً للاستحباب، وقد جاء في الصحيح بصيغة النهي صريحاً، فتعين أنه نهي، فهذان طرفان لا أعلم فيهما نزاعاً بين الأئمة الأربعة والجمهور، فتدبر.

وتمام الكلام في مسألة الزيارة ومتعلقاتها مبسوط في "الصارم" في ذيل فصول هي للدين أصول.

<<  <   >  >>