في مقام من هذه المقامات، كأنهم أهلُ أديان مختلفة، وشرائعَ غيرِ مؤتلفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وأما رفع المنارات، فأصل وضعها لمقصد صالح، وهو إسماع البعيد عن محل الأذان، وهذه مصلحة مسوغة إذا لم تعارضها مفسدة من المفاسد المخالفة للشريعة، فدفعُ المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح؛ كما تقرر ذلك في الأصول، وأما تشييدُ البنيان ورفعه زيادة على حاجة الإنسان، فقد ورد النهيُ عنه، والوعيدُ عليه، وثبت: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بهدم بعض الأبنية، وليس ذلك مجردَ بدعة، بل خلاف ما أرشد إليه الشارع، انتهى كلامه.
[٢٢ - فصل في الرجوع من حج أو عمرة وما يتصل به]
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة: يكبر على كل شَرَف من الأرض ثلاثَ تكبيرات، ثم يقول:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعدَه، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" متفق عليه.
وفيه: استحبابُ التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض يعلوه الراجعُ إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزوة، ويكررها حتى يدخل البلد، ويستحب إذا قرب مَنْ وطنه أن يبعث إلى أهله مَنْ يخبرهم بقدومه، كيلا يقدم عليهم بغتة، وكره - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهلَه ليلًا، وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يقدم إلا غدوة أو عشية.
وكان من هديه إذا رجع من سفره، بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، وكان يأمر أصحابه بذلك، كما في حديث جابر بن عبد الله في قصة البعير، وفيه: أنهم لما قدموا المدينة، أمره - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي المسجد، فيصلي ركعتين إن لم يكن وقت
= بالمدينة المنورة، وكذلك المسجد الحرام؛ أي: "البيت العتيق" بمكة المكرمة. ولم تر تلك القارة من كل ناحية في عمرها مثل هذا التقدم.