ولا دليل على الترتيب، ويُستحب أن يزور قبور الشهداء، وقبرَ حمزة عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن الهمام: ويزور جبل أُحد نفسَه؛ للحديث الصحيح:"أُحد جبلٌ يحبنا ونحبه"، ولكن ليس فيه ما يدل على زيارته، ويُستحب أن يأتي بئرَ أريس التي تفل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسقط فيها خاتمه من عثمان.
وكان السلف الصالح يحبون لمن أتى المساجد الثلاثة: أن يختم فيها القرآن، ويستحب المجاورة بالمدينة كمكة لمن ظنَّ من نفسه عدمَ موافقة مذموم شرعي، وحينئذ، فليكن بغاية من الفرح بجوار نبيه - صلى الله عليه وسلم - مع إكثار الدعاء لنفسه ولأحبابه، وبغاية من الصبر على ضيق المدينة ومعيشتها، بالنسبة لبلاد الخصب.
والأحاديث في فضل المُقام والموت بها كثيرة، ومن ثَمَّ أخذ منها جمع متأخرون من الشافعية: أن السكنى بها أفضلُ منها بمكة، مع مزيد المضاعفة بمكة، قال ابن حجر الهيتمي: وفيه نظر، بل الموافق للقواعد أن سكنى مكةَ أفضلُ، وكفى زيادة مضاعفة الأعمال مرجحاً، انتهى.
ويُستحب أن يتصدق بما أمكنه على جيران رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وينظر أهل المدينة بعين التعظيم، ويَكِلَ سرائرَهم إلى الله، ويحرم عليه أن يستصحب شيئاً مما عمل من تراب حرم المدينة أو من أحجاره إلى خارج حرمها، ولو إلى حرم مكة، ويودع المسجد الشريف بركعتين، والأولى أن تكونا بمصلاه - صلى الله عليه وسلم -، وليكن حالَ مفارقته في غاية التشوق للعود، وفي غاية الصدق مع الله وملازمة التوبة والأعمال الصالحة، وينبغي أن يزداد خيراً بعد ذلك؛ فإن هذا من علامات قبول أعماله، وبالله التوفيق.
[٣ - فصل في فضائل "المدينة" وما يشبهها]
قال الله تعالى:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: ٩٧] ذكر مسلم، والبخاري، وغيرهما: أن المراد بها "المدينة"، وفي هذه الإضافة من مزيد التعظيم ما لا يخفى، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}[الحشر: ٩].