من الليل، فإنك تجد ما تطعَمُ فيها، فضلًا عن النهار، ولا يبيت فيها إنسان إلا شعباناً حامداً شاكراً، انتهى، فينبغي لزومُ الأدب بها حسبَ الطاقة، والشكرُ لله.
[٧ - فصل في آداب المجاورة بها]
عن عياش (١) بن ربيعة المخزومي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال هذه
الأمة بخير ما عَظَّموا هذه الحرمةَ حَقَّ تعظيمها، فإذا ضَيَّعوا ذلك، هلكوا" رواه
ابن ماجه، فمن أراد المجاورة بها ينبغي له أن يتأدب بآداب أهل التقى؛ لأنها
حضرة الله الخاصة في الأرض، وهي كثيرة، منها:
١ - ألا يخطر بباله معصية قطُّ مدة مجاورته بمكة، ولو في بيته، فضلًا عن المسجد الحرام، فضلًا عن الطواف، فضلًا عن الصلوات، فمن لم يعلم من نفسه السلامةَ، فلا ينبغي له الإقامةُ هناك حتى يجاهد نفسه، ولهذا احتاط ابن عباس لنفسه، فسكن الطائف دون مكة، وكذلك كره مالكٌ المجاورةَ بها، وقال: ما لنا ولبلد تُضاعف فيها السيئات كما تُضاعف الحسنات، ويؤاخذ الإنسان فيها بالخاطر؟
قلت: لم أقف على نص صريح في تضاعُف السيئات فيها، والمؤاخذةِ بالخاطر، بل عفا الله عن هذه الأمة ما حدَّثت به نفسَها، نعم المعصيةُ فيها أشدُّ وأكبر من غيرها؛ لشرف المكان، والعاصي فيها أسوأ حالاً وأقبح مآلاً؛ لقلة مبالاته بسخط الرحمن، كيف! والمعصية -وإن كانت فاحشة حيث وجدت- لكنها في حضرة الإله وفِناء بيته ومحلِّ اختصاصه وحرمه أفحشُ وأقبح، وأمرُ الذنب بها عظيم، فليبادر الإنسان من حينِ نزوله بها إلى الذل والانكسار، والتوبة والافتقار، والندم والاستغفار. ومنها:
٢ - أن يأكل الحلال الصِّرْفَ مدةَ إقامته: إما بعملِ حرفة شرعية؛ كالكتابة والخياطة والقِصارة والبِزازة ونحوِها، وإما أن يتوجه إلى الله تعالى أن يسخر له الحلال، من بين فَرْثِ الحرام ودم الشبهات.
قلت: وذلك كله غيرُ مخصوص بمكة، بل يتحرى له في كل بلدة. ومنها:
٣ - أن لا يبيت وعليه دينار أو درهم دين لأحد إلا أوفاه أو أوصى به.
(١) في سنن ابن ماجه: عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي، وهو هاجر هجرتين.