الحَرَّة، وهي الأرض التي فيها حجارة سودٌ، وهو بريد، والبريدُ أربعة فراسخ، وهو من عَيْر إلى ثور، وعَيْر: جبل عند الميقات يشبه العيرَ، وهو الحمار، وثور: جبل في ناحية أحد، وهو غير جبل ثور الذي بمكة، فهذا الحرم لا يُصطاد صيده، ولا يُقطع شجره، إلا لحاجة؛ كآلة الركوب والحرث، وليس في الدنيا حرمٌ لا بيتُ المقدس ولا غيره إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرماً كما يسمي الجهال، فيقولون: حرم القدس، وحرم الخليل؛ فإن هذين وغيرهما ليس بحرم باتفاق المسلمين، والحرم المجمع عليه: حرم مكة، وأما المدينة، فلها حرم أيضاً عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
٣٠ - فصل في حرم وَجّ
عن الزبير: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن صيدَ وَجٍّ وعضاهَه حرمٌ محرَّم لله -عز وجل-" رواه أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، ولفظه:"إن صيدَ وجٍّ حرام"، قال البخاري: ولا يُتابع عليه، وسكت عنه أبو داود، وحسنه المنذري، وسكت عنه عبد الحق أيضاً، وذكر الذهبي أن الشافعي صححه، وذكر الخلال أن أحمد ضعفه. ووَجٌّ -بفتح الواو وتشديد الجيم-، قال ابن رسلان: هو أرض بالطائف عند أهل اللغة، وقال أصحابنا: هو وادٍ بالطائف، وقيل: كل الطائف، انتهى.
وقال الحازمي "في المؤتلف والمختلف" في الأماكن: وَجٌّ: اسم لحصون الطائف، وقيل: لواحد منها. والعضاه: كل شجر يعظم وله شوك، والحديث يدل على تحريم صيد وج وشجره. قال ابن تيمية: ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث إلا في وَجّ، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم، انتهى.
قلت: وقد ذهب إلى كراهية صيده وشجره الشافعيُّ، قال في "البحر" بعد أن ذكر هذا الحديث: إن صح، فالقياسُ التحريمُ، لكنْ منع منه الإجماع، انتهى.
قال الشوكاني: وفي دعوى الإجماع نظر؛ فإنه قد جزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم، قال الخطابي: ولست أعلم لتحريمه معنى، إلا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين، وقد يحتمل أن ذلك التحريم