وإنما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"يا أهل مكة! أتموا صلاتكم" فإنا قوم سَفْرٌ" لما صلَّى بمكة نفسها.
فإن لم يكن للناس إمام، صلى الرجل بأصحابه.
والمسجد بني بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن على عهده. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه صلى في مكانه سبعون نبياً، منهم: موسى -عليه السلام-، وأن فيه قبر سبعين نبياً. ويقال: إن مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الأحجار أمام المنارة.
[١٧ - فصل في التحصيب]
ينبغي لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصَّب بالاتفاق؛ إقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، حامداً شاكراً مطيعاً، ومسروراً بإتمام مناسكه، والمحصَّب: اسم مكان متسع بين جبلين، وهو إلى منى أقرب من مكة، سُمي بذلك؛ لكثرة ما به من الحصا من جَرِّ السيول، ويقال له: الأبطح، وخيف بني كنانة، ومما يدل على استحباب التحصيب: ما أخرجه الشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشٌ على الكفر" يعني: المحصب، قال الزهري: الخيف: الوادي، وفي الباب أحاديث. قال عياض: إنه مستحب عند جميع العلماء. قال في "الفتح": والحاصل: أن من نفى أنه سنة؛ كعائشة، وابن عباس، أراد: أنه ليس من المناسك، فلا يلزمه بتركه شيء، ومن أثبته؛ كابن عمر، أراد دخولَه في عموم التأسي بأفعاله - صلى الله عليه وسلم -، لا التزام ذلك.
والسنة: أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل، ويرقد رقدة كما دل عليه حديث أنس وابن عمر، انتهى. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات به، وخرج ولم يقم بمكة بعد صدره بمنى، لكنه ودع البيت، فإن لم يكن اعتمر قبل ذلك، لا مع حج ولا عمرة مفردة، وهو مستطيع، وجب عليه أن يأتي بالعمرة مرة واحدة كالحج عند الشافعية، والحنابلة، وجماعة من الحنفية، وعند جماعة منهم: العمرة سنة، وليست كالحج، وهو مذهب المالكية.