للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٦ - فصل في السعي]

قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ١٥٨]، وفي الحديث: "إن الله كتب عليكم السعي"، وفي رواية: "فاسعوا" رواه أحمد، واستدل به من قال: بأن السعي فرض، وهم الجمهور، وعند الحنفية: أنه واجب يُجبر بالدم، وبه قال الثوري، وفي الناسي خلاف العامد، وقال عطاء: إنه سنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر، واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة.

وقد أغرب الطحاوي، فقال: قد أجمع العلماء على أنه: لو حج، ولم يطف بالصفا والمروة: أن حجه قد تم، وعليه دم، وحكاه صاحب "الفتح" وغيره عن الجمهور: أنه ركن لا يجبر بالدم، ولا يتم الحج بدونه، وأغرب ابن العربي المالكي، فحكى: أن السعي ركن في العمرة بالإجماع، وإنما الخلاف في الحج، وأغرب أيضاً المهدي في "البحر"، فحكى الإجماع على الوجوب. قال ابن المنذر: إن ثبت -يعني: الحديث المذكور-، فهو حجة في الوجوب.

قال في "الفتح": العمدة في الوجوب قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم".

قلت: وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديثُ مسلم: "ما أتم اللهُ حجَّ امرىءٍ ولا عمرته، لم يطف بين الصفا والمروة"، انتهى.

وبالجملة: فالسعي بينهما واجب، والمشي أفضل من الركوب، وعليه أهل العلم.

وصفة السعي: أن يخرج من باب الصفا باتفاق الأربعة؛ كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في محاذاة الضلع الذي بين الركن اليماني والحجر، ويُستحب أن يقدِّم رجلَه اليسرى في الخروج من المسجد، ويقول عند خروجه: "اللهمَّ افتحْ لي أبوابَ رحمتك"، فإذا خرج من ذلك، وانتهى إلى الصفا، وهو جبل، ليرق فيه درجاً في حضيض الجبل بقدر قامة الرجل، فقد رقي

<<  <   >  >>