قلت: أجمع المسلمون على تلك التلبية، غير أن قوماً قالوا: لا بأس أن يزيد فيها من ذكر الله تعالى ما أحبَّ، وهو قول محمد، والثوري، والأوزاعي، وخالفهم آخرون، فقالوا: لا ينبغي أن يُزاد على ما علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبجواز الزيادة قال الجمهور، وحكى ابن عبد البر عن مالك: الكراهةَ، وهو أحد قولي الشافعي، وكان الصحابة يزيدونها، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يسمعهم، فلا ينهاهم، ولا ينكر عليهم، وكان هو يداوم على تلبيته. ويلبي من حين يحرم، سواء ركب دابته، أم لا، وإن أحرم بعد ذلك، جاز.
واختلف في حكم التلبية، فقال الشافعي، وأحمد: إنها سنة، وقال أبو هريرة: واجبة، وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية، والخطابي عن مالك وأبي حنيفة، واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها، قال ابن شاش من المالكية، وصاحب "الهداية" من الحنفية: إنها واجبة، يقوم مقامها فعلٌ يتعلق بالحج؛ كالتوجه إلى الطريق، وحكى ابن عبد البر عن الثوري، وأبي حنيفة، وابن حبيب من المالكية، والزبيري من الشافعية، وأهل الظاهر: أنها ركن في الإحرام، لا ينعقد بدونها، وأخرج ابن سعد عن عطاء بإسناد صحيح: أنها فرض، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وطاوس وعكرمة.
[٢ - فصل في قطع التلبية]
عن الفضل بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، قال: كنت رَديفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جَمْعٍ إلى مِنى، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، رواه الجماعة، وفي هذا دليل على أن التلبية تستمر إلى رمي جمرة العقبة، وإليه ذهب الجمهور، وقالت طائفة: يقطع المحرم التلبية إذا دخل الحرم، وهو مذهب ابن عمر، لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة، وقالت طائفة: يقطعها إذا راح إلى الموقف. رواه ابن المنذر، وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي، وبه قال مالك، وقيده بزوال الشمس يوم عرفة، وهو قول الأوزاعي، والليث، وعن الحسن البصري مثله، لكن قال: إذا صلى الغداة يوم عرفة.