للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٨ - فصل في الوقوف بعرفة]

إذا صلى الناسُ الظهر والعصر بمسجد إبراهيم كما ذكرنا، يذهب إلى عرفات، فهذه السنة، لكن في هذه الأوقات يكاد أحد يذهب إلى نَمِرة، ولا إلى مصلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل يدخلون عرفات على طريق المَأْزِمين، ويدخلونها قبل الزوال، ومنهم من يدخلها ليلاً، ويبيتون بها قبل التعريف، وهو الذي يفعله الناس كلُّهم اليومَ إلا ما شاء الله، ويجزي معه الحج، لكن فيه نقصٌ عن السنة، فيفعل ما يمكن من السنة، مثل الجمع بين الصلاتين، فيؤذن أذاناً واحداً، ويقيم لكل صلاة، والإيقاد بعرفة وبمزدلفة بعد الرجوع من عرفة بدعة باتفاق العلماء.

وقال العز بنُ جماعة في "منسكه": وما يفعله جَهَلَة العوام من إيقاد الشموع ليلةَ عرفة ضلالةٌ فاحشة، وبدعة ظاهرة، جَمعت أنواعاً من القبائح، وتَشْغَلُ عن الذكر والدعاء المطلوبَيْن في ذلك الوقت الشريف، ويجب على مَنْ ولي الأمر، وعلى كل من تمكن من إزالة البدع إنكارُها وإزالتُها، والله المستعان، انتهى.

وبالجملة: يقف بعرفةَ من بعد الزوال إلى غروب الشمس، كما فعل سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يخرج منها حتى تغرب، ولو وقف نهاراً، ثم فارق عرفة قبل الغروب، أراق دماً استحباباً عند الشافعية، ووجوباً عند أبي حنيفة، وفي أي موضع من عرفة وقف، أجزأه، لكن الأفضل عند الصخرات الكبار المفروشة، على مذهب الشافعية، والحنفية، والحنابلة. ومذهب مالك: أنه ليس لموضع من عرفة فضلٌ على غيره، وما اشتهر عند جهلة العوام من ترجيح الوقوف على الجبل، المسمى: بجبل الرحمة، فخطأ لا أصل له.

ووقف - صلى الله عليه وسلم - في ذيل الجبل عند الصَّخَرات، والأفضلُ أن يكون الواقف مستقبلَ القبلة، متطهراً، ساتراً عورتَه، فمن وقف على غير هذه الصفات، صح وقوفه بالاتفاق، وفاتته الفضيلة، والأولى لمن وقف بعرفة الفطرُ، سواء أطاق الصومَ، أم لم يطقْه، وسواء ضعف به، أم لا، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مذهب الشافعية، وأطلق كثير منهم أنه يُكره له صومُه، ومذهب الحنفية كما قال صاحب "المحيط": أنه مستحب في حق الحاج إن كان لا يضعفه، وإن كان يُضعفه،

<<  <   >  >>