للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلف الأولون: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة، أو عند تمام الرمي؟ فذهب جمهورهم إلى الأول، وإلى الثاني أحمدُ، وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم حديث فضل، قال: أفضتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. ويكبر مع كل حصاة، ثم يقطع التلبية مع آخر حصاة، قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أُبهم في الروايات الآخر، وإن المراد حتى رمى جمرة العقبة التي أتم رميها.

قال الشوكاني: والأمر كما قال ابن خزيمة؛ فإن هذه زيادة مقبولة خارجة مخرج الصحيح، غير منافية للمزيد، وقبولُها، متفق عليه كما تقرر في الأصول، وعن ابن عباس مرفوعاً: أنه كان يُمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر، رواه الترمذي وصححه. وعن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجرَ" رواه أبو داود.

وقلت: ظاهره أنه يلبي في حال دخوله المسجد، وبعد رؤية البيت، وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام، ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص. وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام: أبو حنيفة، والشافعي في الجديد، وقال في القديم: يلبي، ولكنه يخفض صوته، وهو قول ابن عباس، وأحمد.

[٣ - فصل في آداب دخول مكة]

وهي سبعة:

١ - الأول: استحب بعض السلف أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارجَ مكة -شرفها الله تعالى وعظمها-: "اللهمَّ هذا حرمُك وأمنُك، فحرِّمْ لحمي ودمي وبَشَري على النار، وآمِنِّي عذابَك يوم تبعثُ عبادَك، واجعلني من أوليائك وأهلِ طاعتك". ويروى: أن في زمن الطوفان لم يأكل كبارُ الحيتان صغارَها في الحرَم؛ تعظيما له، فينبغي للإنسان أن يسلك في ذلك المحل الشريف غايةَ الأدب مع الله تعالى في حركاته وسكناته، ويرجو من فضل الله تعالى أُمنياته؛ فإن المحل عظيم، والمقام كريم. قلت: ولم يرد بذلك الأدب نص.

<<  <   >  >>