وبالجملة: فمطلق الإحرام على الإبهام جائز يصرفه المحرِم إلى ما شاء؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن ذلك، وإليه ذهب الجمهور، وعن المالكية: لا يصح على الإبهام، وهو قول الكوفيين.
قال ابن المنذر: وكأنه مذهب البخاري؛ لأنه أشار في "صحيحه" عند الترجمة لحديث علي وأبي موسى إلى أن ذلك خاص بذلك الزمان، وأما الآن، فقد استقرت الأحكام، وعُرفت مراتب الأحكام، فلا يصح ذلك، وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية، وهي هل يكون خطابه - صلى الله عليه وسلم - لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة؟ فمن ذهب إلى الأول، جعل حديثَ علي وأبي موسى شرعاً عاماً، ولم يقبل دعوى الخصوصية إلا بدليل، ومن ذهب إلى الثاني، قال: إن هذا الحكم يختص بهما، والظاهر الأولُ. عن أنس، قال: قدم علي -عليه السلام- على النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليمن، فقال:"بما أهللت؟ "، قال: أهللت بإهلال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:"لولا أن معي الهديَ، لأحللت" متفق عليه، ورواه النسائي من حديث جابر. وعن أبي موسى، قال: قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مُنيخ بالبطحاء، فقال:"بما أهللت؟ "، قال: قلت: أهللت بما أهل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"سقت الهدي؟ "، قلت: لا، قال:"فطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل" متفق عليه.
[١٨ - فصل في الاشتراط]
دلت الأحاديث على أن من اشترط، ثم عرض له ما يحبسه عن الحج، جاز له التحلُّل، ولا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط، وبه قال جماعة من الصحابة، ومنهم: علي، وابن مسعود، وعمر، وجماعة من التابعين، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو المصحح للشافعي كما قال النووي، وقال أبو حنيفة، ومالك، وبعض التابعين: إنه لا يصح الاشتراط، وهو مروي عن ابن عمر. قال البيهقي: لو بلغ ابنَ عمر حديثُ ضُباعة، لقال به، ولم ينكر الاشتراط كما لم ينكره أبوه، انتهى.
قلت: أخرج حديثَ ضُباعة عن ابن عباس الجماعةُ إلا البخاريَّ، وفي الباب