عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني دخلتُ الكعبة، وودِدْت أني لم أكن فعلتُ، إني أخاف أن أكون أتعبتُ أمتي من بعدي" رواه الخمسة، إلا النسائي، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم، وفي الباب أحاديث بألفاظ. وفيه دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة في غير عام الفتح؛ لأن عائشة لم تكن معه فيه، إنما كانت معه في غيره، وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح، وهذا الحديث يرد عليهم، وقد تقرر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل البيت في عمرته، فتعين أن يكون دخل في حجته، وبذلك جزم البيهقي، وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح، وهو بعيد جداً، وفيه أيضاً دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج، وهو مذهب الجمهور، وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخولها من المناسك، وهذا الحديث يرد عليه.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم أن دخولها مستحب.
قال العز بن جماعة: ويستحب دخول الكعبة المعظمة، والتكبير في جوانبها، والدعاء في نواحيها، كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم -، ويصلي الداخل في مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو أن يدخل ويمشي تلقاء وجهه حتى يكون بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع، فهناك مصلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يستحب دخوله إذا كان بحيث لا يؤذي ولا يؤذى، ويغلط كثير من الناس فيدخلون مع الزحمة الشديدة، فيؤذي بعضهم بعضاً، وربما انكشفت عورة بعضهم، وربما زاحم الرجل المرأة وهي مكشوفة الوجه واليد، ويبالغون في رفع أصواتهم، ولا يخشعون، ولا يتأدبون، ويحملهم عليه الجهل، فليتجنبْ ذلك.
ويروى أن الدعاء يستجاب في البيت، ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "من دخل البيت، دخل في حسنة، وخرج بسيئة، وخرج مغفوراً له"، وفي النسائي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة، والبيتُ إذ ذاك على ستة أعمدة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - جلس بين