كراهة، ويدعو عقبهما، ويحمد الله تعالى، ويشكره على ما أنعم عليه من قضاء نسكه، وزيارة مسجد نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقبره المنور، وعوده إلى وطنه.
وقد بوب أبو داود للإطعام عند القدوم، فأخرج بإسناده إلى جابر بن عبد الله، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، نحر جزوراً وبقرة. ثم يندب للقادم أن يهدي إلى أهله ما تيسر.
فقد أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، أنها قالت: إذا قدم أحدُكم إلى أهله من سفر، فليهدِ لأهله ما يُطرفهم، ولو كان حجارة، وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء مرفوعاً:"إذا قدم أحدكم من سفر فليقدم معه هدية، ولو أن يلقي في مخلاته حجراً"، وإن كان الحديثان قد ضعفا، فالهدية مطلقاً من السنة، ولهدية القادم موقعٌ في القلب لا يخفى.
ويندب لمن يلقاه من المقيمين أن يصافحه ويعانقه، وكره مالك المعانقة، ويطلب منه أن يستغفر له؛ لما أخرجه أحمد في "مسنده" من حديث ابن عمر مرفوعاً: "إذا لقيتَ الحاجَّ، فسلِّمْ عليه، وصافحْه، ومُرْه أن يستغفر لكَ قبلَ أن يدخل بيتَه؛ فإنه مغفور له" وهو حديث حسن. وهو نظير حثه - صلى الله عليه وسلم - على طلب الاستغفار من المريض؛ لأن المغفور له مجاب الدعوة.
ويستحب لمن يسلم على القادم أن يقول له:"قَبِلَ الله حجَّكَ، وغفرَ ذنبَك، وأخلفَ نفقتك"، وليحرص الآتي من سفره قبل مفارقته رفقتَه على أن يتحلَّلَ منهم، وليحذرْ بعد الحج من مقارفة الذنوب؛ فإن النكسة أشدُّ من المرض، وليوفِ بعهد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكن كالتي نقضَتْ غزلها.
فعلامة قبول عبادة الحج: أن يكون بعدها خيراً مما كان قبلها، ويترك ما كان عليه من المعاصي والآثام، وأن يستبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين؛ وبمجالس اللهو والغفلة مجالسَ الذكر واليقظة. يروى أن بعض الصالحين قدم من الحج، فدعته نفسُه إلى أمر سوء، فسمع هاتفاً يقول له: ويلك! ألم تحجَّ؟ ويلك! لم تحج؟ فعصمه الله تعالى بسبب ذلك.