للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجابوا ثانياً بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا، وعلى وجوبه إلى عرفة للوقوف، وإلى منى للمناسك التي فيها، وإلى مزدلفة، وإلى الجهاد، والهجرة عن دار الكفر، وعلى استحبابه لطلب العلم.

قلت: هذه الأسفار قد ثبت بعضها بفعل الشارع وقوله، ولم يثبت السفر للزيارة بفعله ولا قوله، ولم يحصل الإجماع على جوازه بحمد الله تعالى إلى الآن.

بل نهى العلماء عنه قديماً وحديثاً، بل بعض الأسفار لها، بل غالبها لا يخلو من أحوال الشرك وأعمال الكفر كما لا يخفى على الخبير.

وأجابوا عن حديث: "لا تتخذوا قبري عيداً": بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة، لا على منعها، وأنه لا يُهمل حتى لا يُزار إلا في بعض الأوقات؛ كالعيدين، والعالم بمفاهيم السنة وعطفها، والعارف بكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يرتاب أبداً في أن ذلك التأويل من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ومن قبيل تأويل الجهلة وانتحال المبطلة؛ فإنه يأباه ظاهر الحديث وباطنُه، ولو كان مقصود الشارع ما فهمَ هؤلاء، لقال: زوروا قبري كل حين، ولا تملوا عنه حتى لا تزوروه إلا في بعض الأحيان كالعيد.

واحتج أيضاً من قال بالمشروعية: بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته، ويعدون ذلك من أفضل الأعمال، ولم ينقل أن أحداً أنكر ذلك عليهم، فكان إجماعاً.

قلت: وما الدليل على أن هذا الوصول كان لمجرد زيارة القبر؟ بل الظاهر أنه كان لمسجده - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الزيارة مغمورة فيه، ومن ادعى خلاف ذلك، فعليه البيان مع البرهان.

وما ذكره ابن الجوزي عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان يبرد البريد من الشام، يقول له: سَلِّم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فالجواب عنه أولاً: بالمطالبة عن صحة الإسناد إلى عمر، والثاني: بأنه في إسناده ضعف وانقطاع.

<<  <   >  >>