لو حاضت قبله، لم يسقط، وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر، فخالفناه؛ لثبوت حديث عائشة.
وبالجملة: يجب عليه بتركه دم، كدم المتمتع عند الشافعية والحنابلة، وعند الحنفية واجب يجب بتركه أو ترك أكثره دم، فإن تعذر، بقي في ذمته. وقالوا: إذا أراد الحاج الإقامة بمكة، ونواها سنين، لم يسقط عنه الوجوب، وإن نواها أبداً، فإن كان قبل النفر الأول فلا طواف عليه، وإن كان بعده، لزمه الطواف عند أبي حنيفة، ومحمد خلافاً لأبي يوسف.
وينبغي أن يؤخره الصادر عن مكة حتى يكون بعد جميع أموره، فلا يشتغل بعده بتجارة ولا نحوها؛ بل ينجز أولاً أشغاله، وليشد رحاله، وليجعلْ آخرَ شغله وداعَ البيت، لكن إذا قضى حاجته، أو اشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع، أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته، ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل، فلا إعادة عليه، وإن أقام بعد الوداع، أعاده.
وطافه - صلى الله عليه وسلم - ليلاً سَحَراً، وصلى الفجرَ بالحرم وقرأ بالطور، ثم نادى بالرحيل، فارتحل راجعاً إلى المدينة، ولا رَمَل في هذا الطواف، ولا اضطباع بالاتفاق، فإذا فرغ منه، صلى ركعتين، ويأتي بعده الملتزَم إن أحبَّ، وهو بين الركن والباب، فيضع عليه صدره، ويُلصق به بطنه، ويبسط يديه وذراعيه وكفيه على الجدار، فيجعل اليمنى مما يلي الباب واليسرى مما يلي الحجر الأسود، ويدعو بما أحبَّ من أمري الدنيا والآخرة، ويسأل الله حاجته، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع؛ فإن هذا الالتزام لا فرقَ بين أن يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة قد كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة.
وإن شاء، قال في وداعه الدعاءَ المأثور عن ابن عباس:
اللهمَّ البيتُ بيتُك، والعبدُ عبدُك وابنُ أمتك، حملتَني على ما سَخَّرت لي من خَلْقك حتى أعنتني على قضاء مناسكك، فإن كنتَ رضيتَ عني، فازود عني رضا، وإلا، فمن الآن فارض عني الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري، اللهمَّ فأَصْحبني العافية في بدني، والصحة في جسمي، والعصمة في ديني، وأحسن