الاختلاف: أنهم اختلفوا في تفسير الإحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة، منهم: الأخفش، والكسائي، والفراء، وأبو عبيد، وابن السِّكِّيت، وثعلب، وابن قتيبة، وغيرهم: أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو، فهو المحصر، وقال بعضهم: إن أحصر وحصر بمعنى واحد.
والإحصار الذي وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحجَّ على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق، وإلى وجوب الهدي ذهب الجمهور، وهو ظاهر الأحاديث الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك في الحديبية، ويدل عليه قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة: ١٩٦] وذكر الشافعي: أنه لا خلاف في ذلك في تفسير الآية، وخالف فيه مالك، فقال: إنه لا يجب الهدي على المحصَر، وعوَّل على قياس المحصر، الإحصار على الخروج من الصوم للعذر، والتمسك بمثل هذا القياس في مقابلة ما يخالفه من القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء، وقد وقع الخلاف بين الصحابة فمَنْ بعدَهم في محل نحر الهدي للمحصر، فقال الجمهور: يذبح المحصر الهدي حيث يحل، سواء كان في الحِل، أو الحرم، وقال أبو حنيفة: لا يذبحه إلا في الحرم، وبه قال جماعة من أهل البيت، وفصل آخرون كما قال ابن عباس.
قال في "الفتح": وهو المعتمد، وسبب اختلافهم في ذلك اختلافُهم هل نحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية في الحل، أو الحرم؟ وكان عطاء يقول: لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق. وقال غيره من العلماء من أهل المغازي: إنما نحر في الحل، قال في "البحر": إن على المحصَر القضاءَ إجماعًا في الفرض، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وكذا في النفل، انتهى. وعن أحمد روايتان، قال الشافعي: إنما سُميت عمرة القضاء؛ للمقاضاة التي وقعت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش، لا على أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة. وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه، ولكن يعارضه رواية الواقدي.