وربوعَها معمولة من الطين والماء، وسككَها ضيقةً خالية عن الناس، وقد وجدتهما على هذه الصفة حين سعدت بالحضور في سوحهما في سنة ١٢٨٥ خمس وثمانين ومئتين وألف من الهجرة النبوية -على صاحبها أفضل الصلاة والتحية-.
فحملني هذا على الرحلة إلى بلد الله الأمين، وشَدِّ المَطِيِّ إلى مسجد سيدنا محمد سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة، ودعاني ذلك إلى جمع مناسك الحج والعمرة حسب ما تبين لي من الكتاب والسنة، فجمعتها على سبيل الاختصار؛ تبصرةً لنفسي، وتذكرة لمن أخلصه الله بخالصةِ ذكرى الدار، كيف والابتداع قد دخلِ العبادات من جميع الأنواع، وعارض عن الهَدْي النبوي كلُّ مُفرِط، ومُفرِّط، وخالط الحقَّ بالباطل كلُّ مخالِط ومخبط، فهذا منسك قد ربطت مسائله بالأدلة ودلائله بمذاهب الأجلة، ضمنته خمسة أبواب وخاتمة، أعاذنا الله عن النار الحاطمة، وسميته:
رحلة الصِّدِّيق إلى البيت العتيق
والله أسأل أن يُخلص نيتي، ويحسن طويتي، ويتقبل عملي، وينجح أملي، فقد قال في كتابه العزيز:{أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ}[آل عمران: ١٩٥].
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امْرِىءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه إلى دنيا يُصيبها، أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-.