للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعلهُ ثَكْلى (١) يُسلِّيها (٢) الملوكُ؛ هذا هو الوجهُ الأوَّلُ من الالتفات الأوَّلِ؛ أي: جعل نفسه ثَكلى صاجما عزاءٍ لا تتسلَّى إلَّا أن يَذْكُر لها مَلِكٌ من الملوكِ موجباتِ التَّسلِّي، ويُسَلى إيَّاها؛ ففعل ذلك لكونه مقتضى الحالِ هنالك (٣).

أوْ لأنَّه لَمَّا لم يصبر كالملوكِ ظنَّه (٤) غيره؛ هو الثَّاني مِنَ الأوَّل؛ أي: لأَنَّه لَمَّا لَمْ يصبر عليه وجَزِعَ (٥) وقَلِق، وكان مِنْ حقِّه أن يَتَثبَّتَ ويَتَصَبَّر -كما هو دَيْدَنُ الملوكِ وعَادتُهم عند طوارق النَّوائبِ وبوارقِ المصائب- شَكَكته (٦) في أنَّها نفسُه؛ بَلْ ظنَّه غيره؛ فخاطب له.

ثمَّ نبَّه أنَّ التَّحزُّنَ (٧) تحزُّنُ صدقٍ خاطب أَمْ لا؛ هو الأوَّلُ من الثَّاني (٨)؛


(١) الثّكلى: هي المرأة الّتي فقدت ولدَها، وقيل: الّتي فقدت حبيبها. ينظر: اللِّسان: (ثكل): (١١/ ٨٨).
(٢) في أزيد ضمن كلام المصنِّف: "تسلية"، وليست في ف.
(٣) ويكشف هذا الوجه عن شدة مصاب الشَّاعر في أبيه، وعمق أثر وقع النَّبأ عليه، الأمر الَّذي كان معه كالثّكلى؛ قليل الصّبر، كثير الجزع؛ لا يكاد يتسلّى بعض التَّسلية إلَّا بتسلية الملوك لها بالتَّحزّن لما نابها.
(٤) أي: ظنَّ نفسه غيره.
(٥) في ب: "جزع" بدون العطف.
(٦) أي: نفسه.
(٧) هكذا -أيضًا- في ف، وفي ب: "التَّحزين".
(٨) كان المنتظر أنْ يؤخّر هذا القسم حتى ينتهي من بيان أوجه القسم الأول "إلَّا أَنَّه قدّم بعضَ فوائد الأول على فوائد الثاني، وأخّر بعضها عن بعض لتوقّف تصوّره=

<<  <  ج: ص:  >  >>