للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقِس عَلى هذا السُّلوك التَّتري سلوكَ الصَّليبيِّين - أَيْضًا -.

كما يتمثلُ هذا التَّمييزُ العُنصريُّ في الانقلاباتِ العرقِيَّة المفاجِئة الَّتي عمَّت البلادَ شرقًا وغربًا، وأسفرَ بعضُها عن قيامِ دولٍ أخر، كقيامِ دولةِ المماليك البَحريَّة عَلى أَنْقاضِ الدَّولة الأَيُّوبيّة، ثمّ قيامِ الدَّولة الجركسيَّة عَلى أنقاضِ اليحريَّة في مصر والشَّام. وكقيامِ دولةِ بني المُظفَّر عَلى الدَّولة المغوليَّةِ، ثمَّ تغلُّب الأخيرة عَلى الأُولى في فارس.

٢ - ومِنها: ما يظهرُ بين أبناءِ الجنسِ الواحدِ أَوْ الدَّولةِ الواحدةِ؛ حيثُ يتكوَّنُ المجتمعُ الواحدُ من عِدَّةِ طبقاتٍ، ولعلَّني لا أبتعدُ كثيرًا إذا قَسَّمتُها إلى ثلاثٍ؛ ليقتربَ صدقُها عَلى جميع الدُّول والإمارات الَّتي وجدت آنذاك (١):

أ - طبقةٍ عُليا: وتمثلُ السَّلاطين، والأُمراء، والقَادة، والوُزراء، وكبارَ المُسْتشارين، ومَن لفَّ لفّهم من أبْنائهم وزَوجاتِهم.

وهؤلاءِ كانوا يَحْظون بالامتيازاتِ الكُبرى في الدَّولة، ويسْتأثِرون


(١) يتَّفق المؤرِّخون لهذا العصر على وجود النِّظام الطَّبقيِّ بمظاهرَ مختلفةٍ في جميع الدُّول والإمارات الَّتي عاشت في ذلك الوقت، ولكنَّهم يتفاوتون في تعدادِها وتصنِيفها بحسب كل إمارة؛ فالمقريزيُّ -على سبيل المثال- يقسِّم المجتمعَ في عصر الماليك سبعَ طبقاتٍ؛ جعل أعلاها: أهلَ الدَّولة وهم سلاطينُ الماليك والأمراءِ وأتباعِهم من جند الماليك والوزراء ... وغيرهم. وأَدناها ذوو الحاجةِ والمسْكنة وهم السُّؤال الَّذين يتكفَّفون النَّاسَ ويعيشون منهم. ينظر: إغاثة الأمّة؛ للمقريزيّ: (٧٢).
وقد حاولتُ -جهدي- التَّقريبَ بين آرائهم فتحصَّلَ لي ثلاثُ طبقاتٍ رئيسةٍ تؤولُ إليها أَغْلبُ تقسيماتِهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>