للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"اعلم: أنَّ الّذي فَتَّقَ أكمامَ هذِه الجهاتِ عن (١) أزاهير القبولِ في القلوبِ؛ هو أن مقدِّمة هاتين الجملتين وهي: (ربِّ) اختُصرت ذلك الاختصارُ؛ بأن حُذِفت كلمةُ النِّداءِ وهي: (يا) وحُذفت كلمةُ المضافِ إليه، وهي: ياءُ المتكلِّم، واقتُصر من مجموع الكلماتِ على كلمةٍ واحدةٍ [فحسب] (٢) وهي: المنادى. والمقدِّمةُ للكلامِ -كما لا يخفى على من له قدمُ صدقٍ في نهج البلاغةِ- نازلةٌ منْزلة الأساسِ للبناءِ؛ فكما أن البنّاءَ الحاذقَ لا يرى الأساسَ إلّا بقدر ما يُقدِّرُ من البناء عليه، كذلكَ البليغ يَصنعُ بمبدأ كلامه، فمتى رأيته اختصر المبدأ فقد آذنك باختصارِ ما يُورد (٣).

ثُمَّ إنّ الاختصار -لكونه من الأمور النِّسبيّة- يُرجَعُ في بيانِ دعواه إلى ما سبق تارةً (٤)، وإلى كونِ المقامِ خليقًا (٥) بأبسطِ ممّا ذُكر أُخرى. والذي نحنُ بصددِه من القَبِيل الثاني؛ إذْ هُو كلامٌ في معنى انقراضِ الشّبابِ و (٦) إلمامِ المشيبِ، وهلْ معنى أحقُّ بأن يَمتري (٧) القائلُ


(١) في الأَصل، بقية النسخ: "من"، والصَّواب من مصدر القول.
(٢) ما بين المعقوفين ساقطٌ من الأَصل، ومثبت من أ، ب، مصدر القول.
(٣) هكذا -أيضًا- في المفتاح. وفي أ: "ما سيورد".
(٤) أي: من كون العبارة أقل من عبارة ما تعارف عليه أوساط الناس.
(٥) خليقًا: أي جديرًا. ينظر: اللّسان: (خلق): (١٠/ ٩١).
(٦) في الأَصل: "في" والصَّواب من: أ، مصدر القول.
(٧) يمتري: أي: يستدرّ ويستخرج. ومنه: مرى النّاقةَ: إذا مسح ضَرعها لتدرَّ اللبن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>