وحيث إنَّ هذه المعاملة محلّ نظر واجتهاد، فإنَّه يمكن الجوابُ عن كلام القائلين بجواز الدُّخول في عملية التَّورُّق المصرفي مع البنك الدَّائن لسداد الدَّيْن، بالأمور التالية:
١ - الحقيقةُ أنَّه مهما كانت المبررات، فإنها لا تقوى على تحليل ما أجمعت الأمة على تحريمه، فالحاجة الماسة إلى النقود لا تبيحُ الدخولَ في الرِّبا، والفاقة الشديدة لا تبيحُ لصاحبها السَّرقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى من يريد سداد دَيْنه، والتخلص من البنوك الربوية، فإنَّه لا يحلُّ له الدخول في عملية التَّورُّق المصرفي مع البنك الدائن، وكما ذكرت سابقًا أن الغاية وإن كانت مشروعة، فإنها لا تبرر الوسيلة، فالتخلصُ من رقِّ الدَّيْن والبنوك الربوية غاية مشروعة، إلا أن الوسيلةَ التي هي عملية التَّورُّق المصرفي مع البنك الدَّائن لا تصحُّ لسببين:
أ- أن هذه الوسيلةَ من قبيل [قلب الدَّيْن على المدين] الذي يُعَدُّ نوعًا من أنواع الرِّبا المجمع على تحريمه.
ب- أن عمليةَ التَّورُّق التي تجريها المصارف تشوبها الإشكالياتُ في الإجراءات، والغايات، كما سيأتي بيانه.
٢ - وأما القاعدة الفقهية [ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويتِ أعلاهما] فلا تكون مبررًا لجواز هذه المعاملة؛ لأنَّ شرط العمل بالقاعدة، وهو تعيُّن وقوع إحدى المفسدتين معدوم، إذ يستطيع المدينُ أن يحصلَ على تمويل بطريقة
أخرى، ويتخلَّص من كلتا المفسدتين، أو نقول بعبارةٍ أخرى: إن المدين أمام مفسدتين:
المفسدة الأولى: الاستمرار في التَّعامُل مع البنوك التقليدية بالقروض الربوية.