المفسدة الثانية: الدخول في التَّورُّق المصرفي مع البنك الدائن، وهذا يعني الدخولَ في معاملة [قلب الدَّيْن على المدين]، فالشّيخُ عبد الله المنيع رأى جوازَ الدخول في عملية التَّورُّق المصرفي مع البنك الدائن لسداد المديُونيَّة، التي تُعَدُّ من قلب الدَّيْن على المدين احتجاجًا بهذه القاعدة الفقهية؛ لأنه يرى أن مفسدةَ الدخولِ في التَّورُّق المصرفي مع البنك الدائن أخف من مفسدة الاستمرار في التَّعامُل مع البنوك الربوية، وهذا أمرٌ صحيحٌ، أعني: أن مفسدةَ الدخولِ في التَّورُّق المصرفي أخفّ من مفسدة الاستمرار في التَّعامُل مع البنوك التقليدية بالقروض الربوية، ولكنَّ الاحتجاجَ بالقاعدة، وجَعْلها مبررًا للجواز لا يستقيم هنا؛ لأنه لا يعملُ بالقاعدة إلا إذا تعينت إحدى المفسدتين، بحيث لا يستطيعُ الشخص التخلص من المفسدنين إلا بارتكاب إحداهما، فلا مفرَّ ولا مناصَ إلا
بارتكاب إحداهما، يقول الزركشيُّ عن قاعدة تعارض المفسدتين:"من القواعد الكلية أن تدرا أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، إذا تعين وقوعُ إحداهما"(١).
وبالنظر إلى حال المدين أمام تلك المفسدتين، فإنَّه يستطيعُ التخلص من كلتا المفسدتين، حيث يمكنه أن يطلبَ التَّمويلَ لسداد دينه بطريقة أخرى من طرق التَّمويل المشروعة كالاقتراض، أو بالتَّورُّق الفردي، أو بصيغة المرابحة
للآمر بالشراء، ولا يصحُّ أن نزعمَ أن المدين لا يستطيع التخلص من تلك المفسدتين، ولذلك لا يصحُّ الاحتجاج بالقاعدة، وجعلها مبررًا للجواز.
٣ - وأما ما ذكره الدكتور محمَّد القريّ فإنَّه يلاحظ أنَّه فَهِمَ من تقييد العلماء المنع بالمعسر، أن ذلك يجوزُ في حقّ الموسر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الموسرَ يجبُ عليه الوفاء، فليست هناك حاجة تدعو إلى قلب الدَّيْن، يقول شيخُ