اعلم أنهم قد جعلوا في مواضع من كلامهم للاتساع المعاني بمنزلة الأعيان، والأعيان بمنزلة المعاني، على ما نذكر صدراً منه في هذا الباب ليتضح به بعض مشكله إن شاء الله تعالى. قالوا "شعرٌ شاعرٌ" و"موتٌ مائتٌ" و"شغلٌ شاغلٌ". والقول في "فاعلٍ" في هذا الموضع: إنه لا يخلو من أن يراد به النسب أو الجاري على الفعل، فيبعد أن يراد الجاري لرفضهم الفعل في ذلك وتركهم إسناده إليه، فإذا بعد هذا وامتنع ثبت الوجه الآخر، وهو النسب، كما قال الخليل:"إنه بمنزلة همٌّ ناصبٌ". وكأن المعنى فيه المبالغة والتفخيم، كأنه إذا قال "شعر شاعرٌ"، فقد أخبر أنه شعر مستقل بنفسه وغير مفتقر إلى شاعر، فصار في ذلك تشبيه له بالعين، ولم يصح المعنى إلا على ذلك؛ ألا ترى أن الموت لا يكون ذا موت، والشعر لا يكون ذا شعر في الحقيقة، كما لا يسند إليه "مات" ولا شيء من هذه الأمثلة في الحقيقة. وإذا جاز تشبيه المعنى بالعين للمبالغة في أمره والرفع منه، جاز أيضاً تشبيه العين بالمعنى إذا أكثر من محاولة ذلك المعنى، وكثر أخذه فيه وإكثاره منه، فتقول على ذلك "أبو حنيفة الفقه" و {إن أصبح ماؤكم غوراً}، كما قالوا "شِعرٌ شاعرٌ". والدلالة على استعمالهم لذلك قول ابن مقبل:
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى ... لها شاعراً مثلي أطب وأشعرا
وأكثر بيتاً شاعراً ضربت به ... بطون جبال الشعر حتى تيسرا
فكما أن في قوله "وأكثر بيتاً شاعراً" دلالة على أنه جعل المعنى بمنزلة