فأما وجه ذكرهم إياها مع الأمثلة المجردة من الدلالة على الحدث فلمشابهتها لها في عمل الرفع والنصب؛ كما ذكر "إما" مع حروف العطف وبابها لمشابهتها "أو" في بعض المعاني. فإذا باينت هذه الكلمة هذه الأفعال هذه المباينة، وشابهت الحرف هذه المشابهة، لم ينكر أن يجري مجرى الحرف، فلا يعمل عمل الفعل في قولهم "ليس الطيبُ إلا المسكُ" و "ليس المالُ إلا الذهبُ".
فإن قال قائل: فهلا حمل هذه الحكاية على أن في "ليس" ضمير القصة والحديث، كما حمل قولهم "كان أنت خيرٌ منه" و "ليس خلق الله أشعر منه" على ذلك؟
قيل: قد قالوا في جواب هذا: إنه لم يسغ حمله على الضمير كما ساغ في "كان أنت خير منه"؛ لأن الجملة الواقعة خبراً لـ "ليس" موجبة في اللفظ، فلما لم يستقم أن تدخل "إلا" بين المبتدأ وخبره نحو قولنا "زيدٌ إلا منطلقٌ"، لم يسغ أن يحمل "ليس" على أن فيه ضميراً؛ لأنه يصير بمنزلة من قال في الابتداء "زيدٌ/ إلا منطلقٌ"، وهذا غير جائز، وليس كذلك قوله:
...................... ... وليس منها شفاءُ الداءِ مبذولُ
ولا "ليس خلق الله أشعر منه"؛ لأنه لم يقع بين الخبر والمخبر عنه "إلا" في كلام موجب، فلما لم يستقم أن تحمل "ليس" على أنه فيه ضميراً،