للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فحذفهم له من "ليس" كحذفهم له من "ليت" دلالةٌ على أنه جارٍ عندهم مجرى ما ليس بفعل، كما أن "ليت" كذلك.

ومما يدل على أنه ليس بفعل على الحقيقة كـ "كان" وأخواتها، أن هذه الأمثلة إنما صيغت لتدل على الماضي أو الحاضر أو الآتي، فلما خلت "ليس" من أن تكون دالة على قسم من هذه الأقسام على حد ما تدل عليه هذه الأمثلة؛ ثبت أنها ليست مثلها، وإذا لم تكن مثلها كانت دلالتها على نفي الحال كدلالة "ما" التي لا إشكال في أنها حرف.

والدليل على أن هذه الأمثلة إنما صيغت لتدل على الزمان، أنها تتعدى إلى كل ضرب من أسماء الأزمنة، مبهمها ومخصوصها، ومعرفتها ونكرتها، كما تتعدى إلى كل ضرب من اسم الحدث الذي أخذت منه، وما كان معناه وإن لم يكن من لفظه، ولولا إرادة ذلك فيها لأغنت ألفاظ الأحداث عنها. ويوضح ذلك أنها بنيت على أقسام الزمان، فكما كان الزمان على أنحاء ثلاثة، كذلك كانت هذه الأمثلة التي صاغوها من ألفاظ الأحداث. ويدل على ذلك أنهم جردوا دلالة الزمان في بعض هذه الأمثلة، وجعلوا منها دلالة الحدث، وتلك الأمثلة "كان" وأخواتها مما يدخل على الابتداء والخبر، فتنصب الخبر، فمن ثم لزمتها الأخبار المنتصبة، وكان الكلام غير مستقل بها؛ لتوازي الجملة بلزوم هذا الخبر له الجملة المركبة من الأمثلة التي لم تخلع عنها دلالة الحدث؛ ألا ترى أنها لو لم تلزم الأخبار لانتقصت عنها ولم توازها، فكان تجريدهم هذه الأمثلة للأزمنة، وخلعهم دلالة الحدث عنها، كتجريدهم من بعض الكلم التي هي أسماء الخطاب، وخلعهم معنى الاسم عنه، وذلك قولهم "ذلك" و "هنالك" و "أبصرك زيداً" و "أنت" ونحو ذلك. فكما أن الغالب والأعم في هذا النحو معنى الحرف؛ بدلالة بنائهم له قبل خلع معنى الاسم عنه، كذلك يعلم أن القصد والغرض في هذه الأمثلة

<<  <   >  >>