باب "أعلمت" هو الثاني في باب "علمت". فإذا كانت المنقولة من "رأيت" المتعدية إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار فيه على المفعول الثاني؛ لم يجز أن يكون قوله في الآية {بما أراك الله} منقولاً من المتعدية إلى مفعولين؛ لأنه لم يتعد في الآية إلى ثلاثة مفعولين، وإنما تعدى إلى اثنين، أحدهما كاف المخاطبة، والآخر الضمير المحذوف العائد من الصلة إلى الموصول. فإذا لم يخل هذا النقل من أن يكون من واحد من الألفاظ الثلاثة، وبطل أنه من اثنين منها كما بينا، ثبت أنه منقول من الوجه الثالث، وهو الذي بمعنى "اعتقدت"، دون الضربين الآخرين.
الضرب الثالث من وجوه "رأيت": وهي المتعدية إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما، وذلك نحو "رأيت زيداً أخاك" و "علمت بكراً منطلقاً"، فهذا يجوز أن يقوله الأعمى كما يقوله البصير؛ لأنه لا يراد به الإبصار، وأنشد أبو زيد:
تقوه أيها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا
رأيت الله أكبر كل شيءٍ ... محاولةً وأكثرهم جنودا
وإنما لم يجز الاقتصار على أحد المفعولين لأنهما في معنى المبتدأ وخبره، فكما لا يجوز الاقتصار [على أحدهما، كذلك لا يجوز الاقتصار] على أحد هذين المفعولين. وكذلك ما يدخل عليه "كان" وأخواتها، و"إن" وأخواتها.