في "لكن" إذا خفف، لا يخرج من الدخول على الجمل، كما لم يخرج "إن" عن ذلك، وكما لم يخرج "كأن" عن ذلك. وهذا الإنكار من يونس ينبغي أن يكون في قولهم "ما ضربت زيداً لكن عمراً"؛ لأن "ضربت زيداً لكن عمراً" إذا لم ينف لا نعلم أحداً لا ينكره، فنقول: إذا كان ذلك فيه يؤدي إلى الخروج عن أحوال نظائره وما وضع له في الأصل، وجب أن لا يجوز.
وكأن النحويين غير يونس إنما قاسوا ذلك على "بل" وشبهوه بها، ولم يجعلوه مثلها؛ لأن الحروف التي تنتقل لا تلزم موضعاً واحداً لا يكون لها من التمكن والاتساع ما يكون للملازم؛ ألا ترى أن "حتى" لما لم يلزم الجر لم يجيزوا إضافته إلى المضمر نحو "حتاه" كما قالوا "إليه"، وكذلك "هل" لما لم يلزم الاستفهام لم يدخل في جميع ضروبه.
و"ليس" كلمة مستعملة في النفي، فإذا دخلت عليها همزة الاستفهام للتقرير كقوله {أليس الله بكافٍ عبده} صار إيجاباً، ولم يجز دخول "إلا" عليها، كما لا يجوز دخولها مع الموجب نحو "ثبت زيد إلا قائماً"، وكما لا يجوز دخول "إلا" عليه لكون الكلام بدخول الهمزة موجباً، كذلك لا يجوز أن ينصب معها المضارع بعد الفاء كما ينصب بعد النفي نحو "ما تأتيني فأحدثك". فكما لم يجز "أليس زيد إلا قائماً" كذلك لا يجوز "أليس زيد قائماً فأقوم"، وإن كان يجوز قبل الإيجاب "ليس زيد قائماً فأقوم" كما كان يجوز "ليس زيد إلا قائماً". وإنما امتنع هذان الأمران لما آل الأمر إلى الإيجاب؛ لأنهما كانا يجوزان للنفي، فلما زال النفي بطل جوازهما. وكذلك لا يجوز "ما زال زيد إلا قائماً" و "ما انفك زيد إلا قائماً". فكما لم يجز ذلك، فكذلك