أن البخل من الضنين لا من غيره. وإذا كان كذلك كان في الامتناع مثل الإخبار عن الهاء في قولك "زيدٌ ضربته". ومثل قولك "الذاهبة جاريته صاحبها"، ونحو ذلك مما لا يكون في خبره فائدة ولا زيادة على ما في المبتدأ، وليس المعنى إذا حمل على ما قلنا على هذا الضعف؛ لأن فيه مبالغة في الذم، كما أنه لو قيل: البخيل من طينة سوء، ومن عنصر خبث، كان مبالغة في الذم. وعلى هذا أيضاً قول البعيث:
.......................... ... وهن من الإخلاف قبلك والمطل
فإن قلت: ما تنكر أن يكون أيضاً "البخل من الضنين" على الحمل على المعنى؛ لأن الضنين مذموم، فكأنه قال: البخل من المذموم، كما كان معنى الضنين من البخل: الضنين من أصل سوء؟
قيل: ليس الحمل على المعنى بمستعمل في كل موضع؛ ألا ترى أنه لو ساغ هذا لجام "الضرب من الضارب" يريد به: الحاذق به أو المتأتي له، و"الشتم من الشاتم" يريد به: من البذيٌ. وبعد، فلو كان ذلك سائغاً كما ساغ الأول لكان ما قلنا أرجح لكون الظاهر عليه. ومما يدل على أن هذا ليس على القلب، وأنه على النحو الذي نحوناه، ما حكى لنا من لا يتهم أن أحمد بن يحيى أنشده:
ألا في سبيل الله تغيير لمتى ... ووجهك مما في القوارير أصفرا
فجعل وجهها مما في القوارير من الخلوق أو نحوه من الطيب لكثرة