ومثل ذلك في الإدغام ما قاله سيبويه في جمع "هبيّ" و "هبيّة" من أن جمعه "هبأيُّ" بالإدغام. ووجه قوله أنه لما جرى مجرى الصحيح في الواحد لسكون ما قبله وتعاقب حركات الإعراب عليه، جعله بمنزلة "مرضّة" ونحوها، فقال في الجمع "هبايّ" كما تقول "مراضّ".
وحكي عن أبي عثمان، وأبي عمر أيضاً، أنه قال: أقول "هبايي" فأُظهر ولا أدغم؛ لأن ما بعد ألف الجمع حكمه أن يكون متحركاً. كأن أبا عثمان جعله بمنزلة "معايٍ"، ولم يجعله بمنزلة "مراضّ"؛ لأن الضاد الثانية مرازمة للأخرى، والياء الثانية لا تلزم الأولى في "معايٍ"؛ ألا ترى أنها تسقط في الجر والرفع، فلما لم تلزم لم يجز الإدغام، ولم يجز الإدغام في حال النصب كما لم يجز في قوله {أن يحيي الموتى} من حيث كانت تسكن في الرفع، وتحذف في الجزم، والفصل بينه وبين "معيية" بيّن؛ لأن الإدغام كما لم يجز في واحد "معايٍ" لتصرفه، كذلك لم يجز في جمعه لذلك وأن الثاني منهما غير لازم، وليس كذلك الواحد من "هبايّ"؛ الا ترى أن كل واحد من المثلين قد لزم صاحبه في الواحد ولم ينفصلا، وكما كانا في الواحد بمنزلة الصحيح في هذا المعنى، كذلك كانا في الجمع بمنزلته، فكان تشبيهه بـ"مراضّ" لما ذكرنا أولى من تشبيهه بـ"معايٍ". وإذا كانوا قد قالوا في جمع "حياء": أحيَّة" و"أحيية"، فأجازوا الإدغام مع أن الثانية لا تلزم الأولى في كثير من تصرف الكلمة كلزوم الأولى الثانية، وجب أن لا يجاز في "هبأيّ" إلا الإدغام؛ لأن الثانية ملازمة غير مفارقة.