الْوَفَاءُ بِنَذْرٍ جَائِزٍ (وَالْأَكْثَرُ إنْ احْتَمَلَهُ بِلَفْظِهِ بِلَا نِيَّةٍ كَشَهْرٍ فَثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَبْدَأْ بِالْهِلَالِ) ابْنُ بَشِيرٍ: الْأَصْلُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ الْتِزَامٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُحَاذِي فِيهِ قَصْدَهُ وَمَا نَصُّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَكَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْأَقَلَّ وَالْأَكْثَرَ فَقِيلَ إنَّهُ يَلْزَمُ الْأَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِهِ. وَقِيلَ يَبْرَأُ بِالْأَقَلِّ حَتَّى يَنُصُّ عَلَى الْأَكْثَرِ.
وَيَنْخَرِطُ فِي هَذَا السِّلْكِ أَنْ يَنْذُرَ صِيَامَ شَهْرٍ وَبَدَأَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إكْمَالُ ثَلَاثِينَ لِأَنَّهَا الْأَكْمَلُ اهـ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شُهُورٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلْيَصُمْ عَدَدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ تَابَعَهُ أَوْ فَرَّقَهُ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَقْصَى عِدَّةِ أَيَّامِهِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَتَابُعُهُ، أَصْلُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ شُهُورٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مُتَتَابِعَةً فَلَهُ أَنْ يَصُومَهَا لِلْأَهِلَّةِ أَوْ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ، فَإِنْ صَامَهَا لِلْأَهِلَّةِ فَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ، وَمَنْ صَامَهُ لِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ أَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى. اُنْظُرْ هُنَا مَسْأَلَةَ حَلِفِ نِسَاءِ زَمَانِنَا بِصِيَامِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفْتِي فِيهَا بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ قَائِلًا: صَوْمُ الْمُسْلِمِينَ شَرْعًا وَعُرْفًا مِنْ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
وَانْظُرْ أَيْضًا الْحَالِفَ بِصَوْمِ عَامٍ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ قَلِيلًا مَنْ يَصُومُهُ. وَاَلَّذِي أَنَا أُفْتِي بِهِ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ إنْ صَامَ بِطُولِ الْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالسِّتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ مِنْ شَوَّالٍ وَأَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَمَدِينَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، فَإِنْ تَرَكَ هَذَا الْمَأْخَذَ مِنْ صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَعَ الْإِطْعَامِ وَسَوَّفَ صِيَامَ الْعَامِ فَهُوَ مُجْتَرِئٌ عَلَى اللَّهِ.
أَمَّا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَلِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَنْ صَامَهَا فَكَأَنَّمَا صَامَ الْعَامَ، وَأَمَّا مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامَ الدَّهْرِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ لُبٍّ: إنَّ الْحَالِفَ بِصَوْمِ الْعَامِ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الِاجْتِزَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ.
وَحُكِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَجَّحَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ، وَانْظُرْ آخِرَ الْعَوَاصِمِ مِنْ الْقَوَاصِمِ فَإِنَّهُ قَدْ مَهَّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute