للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَيْمَانَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، فَالْبِرُّ بِالْمُوَافَقَةِ وَالْحِنْثُ بِالْمُخَالَفَةِ، لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا فَعَلْت كَذَا فَهُوَ وَقْتُ حَلِفِهِ غَيْرُ فَاعِلٍ فَهُوَ عَلَى بِرٍّ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْحِنْثُ مُتَرَقَّبٌ فَإِذَا فَعَلَ حَنِثَ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ وُجِدَتْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إنْ فَعَلْت، وَأَمَّا إنْ لَمْ أَفْعَلْ أَوْ لَأَفْعَلَنَّ فَالْمُخَالَفَةُ مَوْجُودَةٌ وَقْتَ الْحَلِفِ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَضْرِبْ عَبْدِي فَهُوَ فِي الْحَالِ غَيْرُ ضَارِبٍ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَلِفِهِ وَالْبِرُّ مُتَرَقَّبٌ فَإِذَا فَعَلَ بَرَّ.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْبِرُّ لَا فَعَلْت وَإِنْ فَعَلْت وَالْحِنْثُ لَأَفْعَلَنَّ وَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ. وَمَنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَعَلَى بِرٍّ إلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: مَنْ حَنِثَ كَانَ عَلَى بِرٍّ، وَمَنْ بَرَّ كَانَ عَلَى حِنْثٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بِاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا أَوْ لَيَقْتُلَنَّهُ، فَإِنْ ضَرَبَ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلْيُكَفِّرْ أَوْ يُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ يُعْتِقُ إنْ رَفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ اجْتَزَأَ فَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّظَرِ فِيهِ زَالَتْ عَنْهُ أَيْمَانُهُ.

وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَيُطَلِّقَهَا طَلْقَةً ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا فَتَزُولُ عَنْهُ يَمِينُهُ، وَلَوْ ضَرَبَ أَجَلًا كَانَ عَلَى بِرٍّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. انْتَهَى مَا لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِ مِنْ أَجْلِ أَلْفَاظِ خَلِيلٍ. فَعَلَى فَرْضِ أَنَّ عِبَارَةَ خَلِيلٍ فِيهَا إجْمَالٌ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ فَقَدْ حَصَلَ النَّفْعُ بِتَنْبِيهِهِ عَلَى جُمْلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا:

مَسْأَلَةٌ أُولَى: فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت أَوْ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ التَّلْقِينِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا.

مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ: مَنْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت نَقَلْت نَصَّ الْبَاجِيِّ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَيْضًا.

مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ: إنْ قَالَ: عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لَمْ أَجِدْهَا إلَّا لِابْنِ شَاسٍ بِلَفْظِ إنْ قَالَ عَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَإِنَّهَا كَالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ.

مَسْأَلَةٌ رَابِعَةٌ: فِي تَبْيِينِ أَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ الْمَرْءُ فِيهَا عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَحْنَثَ، وَقِسْمٌ هُوَ فِيهَا عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ. وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْحَاجِبِ هَذَا هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ هُوَ وَابْنُ عَرَفَةَ فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ.

مَسْأَلَةٌ خَامِسَةٌ: مَا حُكْمُ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ سَادِسَةٌ: مَا حُكْمُ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ فَعَلْت. نَقَلْت مِنْ أَجْلِهَا نَصَّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّ حُكْمَ " إنْ " وَ " لَا " وَاحِدٌ كِلَاهُمَا حَرْفُ نَفْيٍ.

مَسْأَلَةٌ سَابِعَةٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَهَبْهُ عَلَى حَنِثَ مَا حُكْمُهُ.

وَقَدْ نَقَلْت نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: وَاَللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ فَلَيْسَ بِمُولٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّازِمَةِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا لَمْ يُطَلِّقْ حَتَّى وَطِئَ أَوْ مَاتَ هُوَ أَوْ هِيَ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى الْفِقْهِ فِي ذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ ثَامِنَةٌ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَمْ يُؤَجِّلْ. وَقَدْ نَقَلْت نَصَّ ابْنِ الْحَاجِبِ: " إنْ لَمْ أَفْعَلْ " مِثْلَ " لَأَفْعَلَنَّ " وَكَذَا أَيْضًا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ فَرَضَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ. وَتَقَدَّمَ نَصُّهَا مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا وَلَمْ يَضْرِبْ أَجَلًا فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ وَلْيُطَلِّقْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ.

وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَلْيُطَلِّقْهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي يَمِينِهِ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ وَبِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ وَنَحْوِهِ لَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ.

مَسْأَلَةٌ تَاسِعَةٌ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>