إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَبُو الْمَعَالِي: لَا يُسْتَدْرَكُ بِمُوجِبَاتِ الْعُقُولِ نَصْبُ إمَامٍ وَلَكِنْ يَثْبُتُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَدِلَّةِ السَّمْعِ وُجُوبُ نَصْبِ إمَامٍ فِي كُلِّ عَصْرٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْمُلِمَّاتِ وَتُفَوَّضُ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ (وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: قَدْ جَرَى رَسْمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِذِكْرِ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ بِمَجَالِ الْفِقْهِ أَجْدَرُ، فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ مُدْرِكُهُ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ الْقَوْلُ فِيهِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْكُولٌ إلَى أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.
ثُمَّ لَيْسَ بِالْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ إذْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ عِنْدَنَا، وَمَنْ قَالَ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ بِفِعْلِهِ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ، وَيَسُوغُ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إلَى شَهْرِ السِّلَاحِ، فَإِذَا انْتَهَى الْأَمْرُ بِذَلِكَ إلَى ذَلِكَ رُبِطَ الْأَمْرُ بِالسُّلْطَانِ.
وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْثَ وَالتَّنْفِيرَ وَالتَّجَسُّسَ وَاقْتِحَامَ الدُّورِ بِالظُّنُونِ بَلْ إنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ جَهْدَهُ، فَهَذِهِ عُقُودُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. انْتَهَى مِنْ الْإِرْشَادِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَأْمُرُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ فَإِنْ عَصَوْا كَانُوا شُهُودًا عَلَى مَنْ عَصَى. قِيلَ لَهُ: أَيَأْمُرُ الرَّجُلُ الْوَالِيَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: إنْ رَجَا أَنْ يُطِيعَهُ فَلْيَفْعَلْ وَيَأْمُرُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَخْفِضُ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ انْتَهَى. مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَانْظُرْ فِي أَوَّلِ الْمَدَارِكِ حِينَ أَنْكَرَ ابْنُ هُرْمُزَ عَلَى بَعْضِ الْأَقْدَارِ وُقُوفَهُ مَعَ امْرَأَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِعَبِيدِهِ: طَئُوا بَطْنَهُ، فَوَطِئُوهُ حَتَّى حُمِلَ إلَى مَنْزِلِهِ فَعَادَهُ النَّاسُ. وَفِيهِمْ مَالِكٌ.
فَجَعَلَ يَشْكُو وَالنَّاسُ يَدْعُونَ لَهُ وَمَالِكٌ سَاكِتٌ ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ لَك تَأْتِي الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مَعَهُ حَشَمُهُ وَمَوَالِيهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ هُرْمُزَ: فَتَرَانِي أَنِّي أَخْطَأْت؟ قَالَ: أَيْ وَاَللَّهِ (وَالْحِرَفِ الْمُهِمَّةِ) الَّذِي لِعِزِّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ: فُرُوضُ الْكِفَايَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ وَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا فَاعِلُهَا إلَّا إنْ قَصَدَ بِهَا الْقُرْبَةَ، كَمَا لَا يُؤْجَرُ عَلَى تَرْكِ الْعِصْيَانِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ طَاعَةَ الدَّيَّانِ (وَرَدِّ السَّلَامِ) الرِّسَالَةُ: وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ، وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ) تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (وَفَكِّ الْأَسِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِدَاءُ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ طُرُقٌ الْأَكْثَرُ وَاجِبٌ وَفِي الْمَبْدَأِ بِالْفِدَاءِ مِنْهُ طُرُقٌ وَسَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ ذِكْرِهِ.
(وَتَعَيَّنَ بِفَجْءِ الْعَدُوِّ) ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ يَعْرِضُ لِلْفَرْضِ الْكِفَايَةِ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ. التَّلْقِينُ: قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ. سَحْنُونَ: إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا وَيَنْفِرُ مَنْ بِسَفَاقُسَ لِغَوْثِ سُوسَةٍ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى أَهْلِهِ لِرُؤْيَةِ سُفُنٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا (وَإِنْ عَلَى امْرَأَةٍ) مِنْ النَّوَادِرِ: يَخْرُجُ لِمُتَعَيَّنِهِ مُطِيقُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً. أَبُو عُمَرَ: يَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْ حَلَّ الْعَدُوُّ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مُحَارِبًا لَهُمْ فَيَخْرُج إلَيْهِ أَهْلُ تِلْكَ الدَّارِ خِفَافًا وَثِقَالًا شُبَّانًا وَشُيُوخًا، وَلَا يَتَخَلَّفُ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مُقَاتِلٍ أَوْ مُكْتِرٍ، وَإِنْ عَجَزَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ عَنْ الْقِيَامِ بِعَدُوِّهِمْ كَانَ عَلَى مَنْ جَاوَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَى حَسَبِ مَا لَزِمَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute