عَلَى الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ لِكَوْنِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ رِدْءًا لِمَنْ قَاتَلَ وَعَوْنًا لَهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ تَقْوَى بِوُقُوفِهِمْ وَتَزِيدُ فِي جُرْأَتِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ فِي الْحِصْنِ بِهِمْ قَوِيَتْ نُفُوسُ مَنْ خَرَجَ وَلَعَلَّ الْعَدُوَّ إنَّمَا انْهَزَمَ بِسَبَبِهِمْ.
وَانْظُرْ فِي نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ إذَا أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِ الثُّغُورِ فَتَدَاعَى عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ مُلَاقَاةٍ وَنَالُوا مِنْهُمْ مَغْنَمًا أَنَّهُ يُخَمِّسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ، لِأَنَّ مِنْهُمْ جَزِعُوا وَهَرَبُوا.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: مَا غُنِمَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ وَهُوَ مِمَّا يَنْجَلِي عَنْهُ أَهْلُهُ وَيَتْرُكُونَهُ رَهْبَةً وَفَزَعًا وَهَذَا لَا يُخَمَّسُ، وَهُوَ فَيْءٌ.
لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ: إذَا كَانَتْ قُرًى إنَّمَا فِيهَا أَهْلُهَا فَخَرَجُوا فِي طَلَبِ الَّذِينَ أَغَارُوا عَلَيْهِمْ قُسِمَ مَا أَصَابُوا بَيْنَ كُلِّ مَنْ طَلَبَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مِمَّنْ خَرَجَ طَالِبًا بِالثَّبْتِ وَالْيَقِينِ. زَادَ فِي الِاسْتِغْنَاءِ: وَلَا شَيْءَ لِمَنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَقِيعَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَدِينَةُ ثَغْرًا وَمُحْرِسًا. وَمِنْهُ أَيْضًا: وَإِنْ غَار الْعَدُوُّ عَلَى جِهَتَيْنِ فَلِكُلِّ جِهَةٍ مَا غَنِمُوا.
وَانْظُرْ رَابِعَ تَرْجَمَةٍ وَخَامِسَ تَرْجَمَةٍ مِنْ الْجِهَادِ الثَّالِثِ مِنْ نَوَادِرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَانْظُرْ قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمُتَخَلِّفٌ لِحَاجَةٍ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَضَالٌّ بِبَلَدِنَا " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " وَمَرِيضٌ شَهِدَ " وَقَوْلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ الْجَيْشِ يُقَاتِلُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَصْلَحَةِ الْحَرْبِ.
وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ» أَنَّهُمْ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْمَغْنَمِ يُسْهِمُونَ مِنْهُ لِمَنْ شَغَلَهُ عَنْ حُضُورِ الْمُعْتَرَكِ مَصْلَحَةٌ مِنْ مَصَالِحِ الْغَانِمِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ نَقَلَ صَاحِبُ كِتَابِ مَعَارِفِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ كَانُوا يَتَعَفَّفُونَ عَنْ الْمَغْنَمِ قَالَ: وَمِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ فَقِيلَ لَهُ: أَتَشُكُّ فِي أَنَّ الْغَنِيمَةَ حَلَالٌ؟ فَيَقُول: وَهَلْ هُوَ الزُّهْدُ إلَّا فِي الْحَلَالِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْآخِرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ ثُلُثٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ» وَنَقَلَ أَيْضًا هُوَ وَصَاحِبُ الْمُقَرِّبِ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّرَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ عَلَى غَزْوِ إفْرِيقِيَّةَ وَكَانَ صَاحِبُ إفْرِيقِيَّةَ جِرْجِيرٌ سُلْطَانُهُ مِنْ طَرَابُلُسَ إلَى طَنْجَةَ فَهَالَهُ أَمْرُ الْعَرَبِ بِحَيْثُ إنْ زَيَّنَ بِنْتًا لَهُ كَانَتْ بَارِعَةَ الْجَمَالِ وَقَالَ لِحَشَمِهِ: أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ سَيِّدَتُنَا وَبِنْتُ سَيِّدِنَا لِمَالِكٍ. فَقَالَ: وَحَقِّ الْمَسِيحِ وَدِينِ النَّصْرَانِيَّةِ لَا قَتَلَ مِنْكُمْ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ أَمِيرَ الْعَرَبِ إلَّا زَوَّجْتهَا لَهُ وَسُقْت لَهَا جَمِيعَ مَا مَعَهَا مِنْ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالْجَوَارِي يُحَرِّضُ بِذَلِكَ الرُّومَ تَحْرِيضًا شَدِيدًا. وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ فَأَخْبَرَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَقَالَةِ جِرْجِيرٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَحَقِّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِ الْإِسْلَامِ لَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ جِرْجِيرًا إلَّا نَفَّلْته ابْنَتَهُ. فَانْتَدَبَ أُنَاسٌ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَشَقُّوا الصُّفُوفَ وَظَهَرُوا بِجِرْجِيرٍ وَانْهَزَمَ الْكُفَّارُ وَتَنَازَعُوا فِي قَتْلِ جِرْجِيرٍ فَقَالَتْ الِابْنَةُ: أَنَا أَعْرِفُ قَاتِلَ أَبِي فَأَمَرَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ أَنْ يَمُرَّ الْجَيْشُ بَيْنَ يَدَيْهَا وَهِيَ تَنْظُرُ حَتَّى مَرَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: هَذَا وَالْمَسِيحِ قَاتِلُ أَبِي. فَقَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: لِمَ كَتَمْتنَا؟ قَالَ: قَدْ عَلِمَ الَّذِي قَتَلْته لَهُ فَقَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إذَنْ وَاَللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute