إحْدَاهُمَا مُطَلَّقَةٌ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِمَا فَعِدَّتُهُمَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: النُّصُوصُ وَاضِحَةٌ بِتَغْلِيبِ حُكْمِ اسْتِصْحَابِ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ عَلَى حِلِّيَّتِهِ وَلَغْوُ احْتِمَالِ رَفْعِ حُرْمَتِهِ، فَفِي عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالِاحْتِيَاطِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا هُوَ فِي احْتِمَالِ الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ دُونَ تَقَرُّرِ سَبْقِ الْحُرْمَةِ. فَإِمْسَاكُ مَنْ شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْسَ احْتِيَاطًا، وَالْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطٌ. وَمِنْ هَذَا نَقْلُ اللَّخْمِيِّ: مَنْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ اللَّتَيْنِ بَنَى بِإِحْدَاهُمَا وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَجُهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا. وَعَلَيْهِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: مَنْ مَاتَ عَنْ نِسْوَةٍ مِنْهُنَّ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ فَحُكْمُ مَنْ عَلِمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا أَوْ فَسَادِهِ وَاضِحٌ، وَمَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهَا فَعَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ.
وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ أُمِّ الْوَلَدِ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِلَفْظِ: وَكَالْمُسْتَوْلَدِ ة الْمُتَزَوِّجَةِ يَمُوتُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَلَا يُعْلَمُ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَإِنْ احْتَمَلَ مَا بَيْنَهُمَا عِدَّةُ الْأَمَةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي وَحَيْضَةٌ فِيهَا أَوْ إلَى تَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَهَذَا عَلَى أَنَّ اسْتِبْرَاءَ الْمُسْتَوْلَدَةِ بِذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ سِتَّةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي (وَكَمُسْتَوْلَدَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مَاتَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَلَمْ يُعْلَمَ السَّابِقُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ أَوْ جُهِلَ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ وَمَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَمَةُ وَفِي الْأَقَلِّ عِدَّةُ حُرَّةٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ.
وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: الْمُسْتَوْلَدَةُ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا وَزَوْجُهَا جَمِيعًا فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا فَعَلَيْهَا لِوَفَاةِ الزَّوْجِ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْإِمَاءِ وَبَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهَا التَّرَبُّصُ لِلسَّيِّدِ بِحَيْضَةٍ، فَإِنْ مَاتَا وَجُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَعَلَيْهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَا حَيْضَةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ وَلَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَحَيْضَةٌ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: تُعِدْ مِنْ آخِرِ الْمَوْتَيْنِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا مَعَ حَيْضَةٍ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ كَمْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ يُرِيدُ أَوْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ سَوَاءٌ فَعَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَقَطْ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَاتَ أَوَّلًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِوَفَاتِهِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِمَوْتِ السَّيِّدِ حَيْضَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْمَوْتَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ حَلَّتْ لِلسَّيِّدِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا لِمَوْتِهِ حَيْضَةٌ، وَوَجَبَ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ مَعَ الْحَيْضَةِ.
وَإِنْ كَانَ مَوْتُ السَّيِّدِ أَوْلَى فَقَدْ صَارَتْ حُرَّةً ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا فَعِدَّتُهَا مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَلَمَّا أَشْكَلَ ذَلِكَ اُحْتِيطَ لَهَا فَجُعِلَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ مَعَ حَيْضَةٍ إذْ الشُّهُورُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَغْنَى الْأَكْثَرُ عَنْ الْأَقَلِّ، وَالْحَيْضَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الشُّهُورِ فَلَا بُدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute