لِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى» . قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِلتَّعْلِيقِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إذْ مَعْنَاهُ إبْطَالُ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ يُعْدِي الصَّحِيحَ وَلَمْ يَنْفِ وُجُودَ مَرَضِ الصَّحِيحِ عِنْدَ حُلُولِ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ غَالِبًا بِقَدَرِ اللَّهِ. قَالَ: وَقَدْ اتَّفَقُوا فِي قَمِيصِ الْمَجْذُومِ إذَا بِيعَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَاخْتَلَفُوا فِي حِمَارِهِ. وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُذَامِ وَلَوْ قَلَّ.
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لِأَنَّهُ يُخْشَى حُدُوثُهُ بِالْآخَرِ.
وَقَالَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَدِيثَ «لَا عَدْوَى» وَحَدِيثَ «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا. نُفِيَ بِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى» زَعْمُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعَاهَةَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا لَا بِفِعْلِ اللَّهِ، وَأَرْشَدَ لِحَدِيثِ «لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» إلَّا الِاحْتِرَازَ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ.
وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: وَمَنْ اكْتَوَى أَوْ رُقِيَ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ وَسُنَّتَهُ عِنْدَهَا فَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى خَالِقِهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ أَنْ يَرَى الْبُرْءَ مِنْ قِبَلِ الِاكْتِوَاءِ وَالرُّقَى خَاصَّةً.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ شَهِدَ فِي الْجَمَادَاتِ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِنَفْسِهَا فَهِيَ شَهَادَةُ زُورٍ إذْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ بِحَوَاسِّهِ وَلَا حَصَلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ ابْتِدَاءً فِي نَفْسِهِ، وَاَلَّذِي شَاهَدَ بِحَوَاسِّهِ وَرَأَى بِعَيْنِهِ أَنَّ شَيْئًا إذَا جَاوَرَ النَّارَ احْتَرَقَ فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّ الْهَشِيمَ إذَا اتَّصَلَ بِالنَّارِ احْتَرَقَ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ صِدْقًا وَالشَّهَادَةُ حَقًّا، وَإِذَا قَالَ: النَّارُ أَحْرَقَتْهُ كَانَ كَذِبًا بَحْتًا لِأَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ بِفَاعِلَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَمَادٌ وَالْجَمَادُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِعْلٌ.
فَإِنْ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا قُوَّةً تَحْرُقُ بِهَا، قِيلَ لَهُ: هَذِهِ شَهَادَةٌ بِمَا لَمْ تَرَ وَلَا سَمِعْت لِأَنَّ الْقُوَّةَ لَا تُرَى وَلَا تُسْمَعُ وَلَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهَا وَلَا رَسُولُهُ فَقِفْ يَا وَقَّافُ وَقُلْ إنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. الْبَاجِيُّ: أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ فِي الْعَائِنِ إذَا لَمْ يَبْرُكْ أَنَّهُ يُصِيبُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ بِفِعْلِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ، وَكَذَا قَالُوا فِي السِّحْرِ. وَانْظُرْ إذَا أُخْبِرَ أَنَّ أَحَدَ جُدُودِ الْأَمَةِ كَانَ أَسْوَدَ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَرُدُّهَا بِذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَالَ أَيْضًا: إنَّهَا تُرَدُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ مِنْ الْعَلِيَّةِ لِمَا يُخْشَى أَنْ يَنْزِعَ عِرْقَهُ.
وَانْظُرْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّاعُونِ «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» مِنْ الْمُنْتَقَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute