للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: قُلْت: لَعَلَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْعُقَيْلِيُّ وَابْنُ الصَّيْرَفِيِّ حِينَ عَرَّفَا بِابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُمْ أَفْتَوْا أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ يَقْتَضِيهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ حَمْدِينَ. وَقَالَ: هَذَا الْبَحْثُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ كَثِيرٍ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالتَّعَرُّضِ إلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَلِيقُ فِي كُلِّ بَيْعٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ بَاعَهُ الْعُمَّالُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ مَا وُلُّوا عَلَيْهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُعْتَرَضَ وَلَا يُنْظَرَ فِيهِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَتْحُ بَابِ مَفْسَدَةٍ فِي الْبَحْثِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ هَذَا الْوَاقِعِ.

وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْوَلِيُّ الزَّاهِدُ الرَّاوِيَةُ شَيْخُنَا الْبَطْرُونِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حِينَ أَرَادَ بَعْضُ أَوْلَادِ ابْنِ الْحَكِيمِ الْقِيَامَ عَلَيْهِ فِي الْحَمَّامِ الْمَنْسُوبِ إلَى أَبِيهِمْ وَهُوَ مِنْ تَحْبِيسِ الشَّيْخِ ابْنِ تفراحين عَلَى مَدْرَسَتِهِ فَقَالَ: إذَا قِيَم بِنَقْضِ هَذَا وَالْبَحْثِ فِيهِ لَمْ تَبْقَ مُعَامَلَةٌ لِلْمُلُوكِ إلَّا وَيُتَعَرَّضُ لَهَا، فَزَجَرَ الْقَائِمَ الْمَذْكُورَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَانْقَطَعَ حِينَئِذٍ طَلَبُهُمْ. وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ ابْنُ حَمْدِينَ هُوَ الصَّوَابُ الْأَسَدُّ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ تَعَقُّبَ أَفْعَالِ قُضَاةِ الْجَوْرِ وَالْعُمَّالِ الظَّلَمَةِ وَذَلِكَ لِإِسْقَاطِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِأَكْبَرِهِمَا.

وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيُّ: إنَّمَا يُوَكَّلُ الْوَكِيلُ لِيُنْتَفَعَ بِهِ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: لَا يَتَصَرَّفُ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: ٣٤] فَكُلُّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً فَهُوَ مَعْزُولٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ. وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ.

سُئِلَ ابْنُ لُبٍّ عَنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ مِنْهُمْ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَمِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>