مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِيهِ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُسَلِّفَهُ إيَّاهَا وَيُسْقِطُ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِثْلَ الرِّوَايَةِ فِيمَنْ لَهُ طَعَامٌ يَخْشَى فَسَادَهُ فَيَسْأَلُهُ الْمُحْتَاجُ سَلَفَهُ جَائِزٌ إذَا سَلَّفَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.
وَانْظُرْ السَّلَفَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ السَّلَفَ هُوَ الَّذِي جَرَّ الْمَنْفَعَةَ. فَإِنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً لِمُسْتَحِقِّهَا بِالْعَقْدِ قَبْلَ السَّلَفِ فَلِهَذَا مَنَعُوا أَعْطِنِي بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَدَعْ بَاقِيَهُ سَلَفًا عِنْدَك، وَأَجَازُوا هَذَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَمَنَعُوا الشَّرِكَةَ عَلَى شَرْطِ سَلَفِ الزَّرِيعَةِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بَعْدَ الْعَقْدِ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْعَقْدِ. وَأَشَارَ ابْنُ رُشْدٍ لِهَذَا الْمَعْنَى.
وَكَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْحَائِطِ صَلَاحُ الْبِئْرِ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يُسَلِّفَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ ثَمَنِ حَظِّ رَبِّهِ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَكَذَا إذَا انْهَارَتْ بِئْرُ الْفَدَّانِ الْمُكْتَرَى لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُسَلِّفَ كِرَاءَ عَامٍ. وَفِي الْبِئْرِ مَعَ كِرَاءِ سِنِينَ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي قَدْ دَفَعَ الْكِرَاءَ وَرَبُّ الْفَدَّانِ قَدْ أَفْلَسَ قِيلَ لِلْمُكْتَرِي أَنْفِقْهُ سَلَفًا مِنْ عِنْدِك. اُنْظُرْ الْمُسَاقَاةَ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَلِكَ إذَا غَابَ الْجَمَّالُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ لِيَفْسَخَ الْكِرَاءَ وَلَهُ الْبَقَاءُ وَيُسَلِّفُ الْعَلَفَ. قَالَ شَارِحُ التَّهْذِيبِ: وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.
وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ نَصُّوا أَنَّ مَنْ عَجَّلَ مَا فِي ذِمَّتِهِ عُدَّ مُسَلِّفًا، وَأَجَازُوا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ بَاقِيَهُ لِأَجَلٍ، وَلَمْ يَجُزْ هَذَا قَبْلَ الْحُلُولِ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ وَجَبَ شَرْعًا وَانْجَلَبَ حُكْمًا، فَلَا يُقَالُ إنَّ التَّأْخِيرَ هُوَ الَّذِي جَلَبَهُ وَإِنْ تُصُوِّرَ جَلْبُهُ بِالتَّأْخِيرِ وُجُودًا عَيْنِيًّا. وَانْظُرْ أَيْضًا نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ إذَا رَهَنَ زَرْعًا أَخْضَرَ فَانْهَارَتْ بِئْرُهُ وَأَبَى الرَّاهِنُ مِنْ الْإِصْلَاحِ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُصْلِحَهَا لِخَوْفِ هَلَاكِ الزَّرْعِ حَتَّى يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي الزَّرْعِ. وَانْظُرْ أَيْضًا سَمَاعَ يَحْيَى: إذَا سَقَطَتْ حِيطَانُ الْكَرْمِ وَخِيفَ الْفَسَادُ عَلَى الثَّمَرَةِ فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا بِيعَتْ عَلَى الْآبِي، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا قِيلَ لِمَنْ طَلَبَ التَّحْظِيرَ إنْ شِئْت حَظِّرْ وَكُنْ مَالِكًا بِحِصَّةِ الْآبِي مِنْ الثَّمَرَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ مَا أَنْفَقْتَ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا عَجَزَ عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ أَنَّ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يُتِمَّ الْعَمَلَ وَيَسْتَوْفِي مِنْ الثَّمَرَةِ مَا أَدَّى. قَالَ: كَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُتَزَارِعِينَ يَعْجِزُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْعَمَلِ وَقَبْلَ طِيبِ الزَّرْعِ يُقَالُ لِصَاحِبِهِ اعْمَلْ، فَإِذَا يَبِسَ الزَّرْعُ بِعْ وَاسْتَوْفِ حَقَّك لِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ لَازِمًا.
(كَشَرْطِ عَفِنٍ بِسَالِمٍ وَدَقِيقٍ أَوْ كَعْكٍ بِبَلَدٍ) مِنْ الْوَاضِحَةِ: لَا يَجُوزُ سَلَفُ الطَّعَامِ السَّائِسِ وَلَا الْعَفِنِ وَلَا الْقَدِيمِ لِيَأْخُذَ جَدِيدًا إلَّا إنْ نَزَلَتْ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ فَسَأَلُوا رَبَّ الطَّعَامِ الْمَذْكُورِ إذْ الْمَنْفَعَةُ لَهُمْ دُونَهُ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ حِينَئِذٍ بَاعَهُ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يُؤَدُّونَهُ يَكُونُ وَقْتَ الْأَدَاءِ أَرْخَصَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَائِسٍ وَلَا مَعْفُونٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاجِّ قَرْضُ كَعْكٍ أَوْ سَوِيقٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ بِبَلَدٍ آخَرَ وَلْيُسَلِّفْهُ وَلَا يَشْتَرِطْ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَا يَشْتَرِطُ إلَّا الْقَضَاءَ. انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
(أَوْ خُبْزِ فُرْنٍ بِمُلَّةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَقْرَضْتَهُ خُبْزَ الْفُرْنِ فَلَا تَشْتَرِطْ عَلَيْهِ خُبْزَ تَنُّورٍ أَوْ مَلَّةَ، وَيَجُوزُ إنْ قَضَاكَ بِغَيْرِ شَرْطٍ تَحَرِّيًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute