فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. ابْنُ يُونُسَ: وَذَلِكَ إذَا شَرَطَ أَنَّ نَفَقَتَهُ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ.
وَانْظُرْ ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُنَا إذَا غَرِمَ الْمُرْتَهِنُ خَرَاجًا عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ رَهْنٌ بِيَدِهِ فَقَالَ: ذَلِكَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ الْخَرَاجِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَرَاجُ حَقًّا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي نَوَازِلِهِ إذَا أَخَذَ السُّلْطَانُ وَدِيعَةً فَفَدَاهَا الْمُودِعُ عِنْدَهُ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ صَاحِبُهَا شَيْئًا. وَانْظُرْ الِاضْطِرَارَ فِي هَذَا فِيمَنْ فَدَى مَا بِيَدِ اللُّصُوصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ. وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَمَّنْ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَقَدَّمَ صِهْرَهُ عَلَى رَبْعِهِ فَلَمْ يَفِ بِخَرَاجِ السُّلْطَانِ، فَتَدَايَنَ مَا أَدَّى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَقَامَ أَرْبَابُ الدُّيُونِ لِبَيْعِ الرَّبْعِ فَقَالَ لَهُمْ: الْخَرَاجُ مُقَدَّمٌ.
فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الضَّيْعَةُ لَوْ لَمْ يُؤَدِّ عَلَيْهَا خَرَاجًا وَرَجَعَ عَنْهَا لَهَلَكَتْ فَحُجَّتُهُ قَوِيَّةٌ، وَأَجَابَ التُّونِسِيُّ: هُوَ أَحَقُّ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَنْ اسْتَنْقَذَ مَتَاعًا مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ.
قَالَ الْبُرْزُلِيِّ: مِثْلُهُ الْيَوْمَ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَثْقَافِ عَلَى التَّرِكَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الَّذِي يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ مَنْ دَفَعَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ حُكْمُ ابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي الَّذِي أُجْبِرَ عَلَى دَفْعِ دَيْنٍ عَنْ الْهَارِبِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا فِي دَفْعِ الزَّكَاةِ لِوُلَاةِ الْجَوْرِ وَيَضْمَنُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الرُّهُونِ.
وَانْظُرْ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ بَيْعِ الرَّهْنِ فِي غَيْبَةِ رَاهِنِهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى طَالِبِ الْبَيْعِ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: مَا أَرَى الْجُعْلَ إلَّا عَلَى الرَّاهِنِ (وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ " إنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا أَنْفَقَ فِي إصْلَاحِ الْبِئْرِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ وَإِنَّمَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّهْنِ مُبْدَأَةً عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ الرَّهْنُ بِهَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِالنَّفَقَةِ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ عِنْدَهُ لَا يَلْزَمُهُ إصْلَاحُ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (وَعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ عِنْدَ الْعَقْدِ) بَهْرَامَ: أَيْ تُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ تَطَوَّعَ بِالرَّهْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِهَذَا لَمْ يُجْبَرْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُشْتَرِطًا فِي الْعَقْدِ لَجُبِرَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَأَوَّلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَطَوَّعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْبِئْرِ بَعْدَ الْبَيْعِ.
(وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَا قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ رَهْنٍ يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَاعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ بِتَعَدِّي أَجْنَبِيٍّ فَذَلِكَ مِنْ الرَّاهِنِ وَلَهُ طَلَبُ الْمُتَعَدِّي (بِكَحَرْقِهِ) الْبَاجِيُّ: وَمِثْلُ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ رَهَنَهُ رَهْنًا فِي مَرْكَبٍ فَغَرِقَ أَوْ احْتَرَقَ مَنْزِلُهُ أَوْ أَخَذَهُ اللُّصُوصُ بِمُعَايَنَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ جَاءَ بِالرَّهْنِ مُحْتَرِقًا لَمْ يُصَدَّقْ