للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّمْسَ عَنْ جَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا امْتَدَّتْ مِنْ أَرْضِ جَارِهِ فَتُشَمَّرُ وَتُقْطَعُ وَتُرَدُّ إلَى حَالٍ لَا تُؤْذِي.

قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيَقْطَعْ حَتَّى تَعُودَ فُرُوعُهَا حِذَاءَ أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا.

قَالَ أَصْبَغُ: وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلرَّجُلِ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قَسْمٍ فَامْتَدَّتْ فُرُوعُهَا فَلَا قَوْلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَمَنْ فِي حَائِطِهِ شَجَرَةٌ فَيَخْرُجُ مِنْهَا قُضْبَانٌ تَحْتَ الْأَرْضِ فَيَظْهَرُ فِي أَرْضِ جَارِهِ وَتَصِيرُ شَجَرًا مُثْمِرًا وَثَبَتَ ذَلِكَ، فَلْيُخَيَّرْ مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ أَنْ يَقْلَعَهَا أَوْ يُعْطِيَ لِلْآخَرِ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً مَطْرُوحَةً.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ مَنْفَعَةٌ لَوْ قَلَعَهَا أَوْ غَرَسَهَا بِمَوْضِعٍ آخَرَ لَنَبَتَتْ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهَا وَلَا مَضَرَّةَ عَلَيْهِ فِيهَا فَهِيَ لِرَبِّ الْأَرْضِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَضَرَّةٌ؛ لِأَنَّ عُرُوقَ الْقَدِيمَةِ تَسْقِي هَذِهِ فَلَهُ قَلْعُهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الَّذِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِ أَنْ يَقْطَعَ عُرُوقَهَا الْمُتَّصِلَةَ بِشَجَرَةِ الْأَوَّلِ حَتَّى لَا تَضُرَّ بِهَا وَيُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً إنْ كَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ فَذَلِكَ لَهُ. وَأَفْتَى اللَّخْمِيِّ بِقَطْعِ نَخْلَةٍ خِيفَ مِنْ سُقُوطِهَا عَلَى زَيْتُونَةٍ.

(لَا مَانِعَ ضَوْءٍ وَشَمْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَتَجَاوَزَ بُنْيَانَ جَارِهِ لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفْعِ بُنْيَانِهِ وَمُنِعَ مِنْ الضَّرَرِ بِهِ، وَإِنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَسَدَّ عَلَى جَارِهِ كُوَاهُ وَأَظْلَمَتْ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَكُوَاهَا وَمَنَعَهُ الشَّمْسَ أَنْ تَرْتَفِعَ فِي حُجْرَتِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ هَذَا الْبُنْيَانِ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يُمْنَعُ مِنْ ضَرَرِ مَنْعِ الضَّوْءِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ.

(وَرِيحِ الْأَنْدَرِ) الْبَاجِيُّ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةٌ أَنْدَرَ غَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُمْنَعُ. وَرَوَى يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَلْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّتِي تُقَامُ. زَادَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: وَالْأَنَادِرُ كَالْأَفْنِيَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّضْيِيقُ فِيهَا وَلَا قَطْعُ مَنَافِعِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ.

قَالَ الْعُتْبِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ (وَعُلْوِ بِنَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ أَظْلَمَتْ أَبْوَابُ غُرَفِ جَارِهِ وَكُوَاهُ.

(وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: فِي ضَرَرِ صَوْتِ الْحَرَكَاتِ طُرُقٌ: رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَحْدَثَ رَحًا تَضُرُّ بِجَارِهِ مُنِعَ. الْبَاجِيُّ: أَمَّا الرَّحَا إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا تَضُرُّ بِجَدَرَاتِ الْجِنَانِ مُنِعَ مِنْهَا، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِمَا: إنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْتِ الضَّعِيفِ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ أَوْ مَا لَا يُسْتَدَامُ، وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا مُسْتَدَامًا كَالْكَمَّادِينَ وَالصَّفَّارِينَ وَالرَّحَا ذَاتِ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ كَالرَّائِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَحْكِ الصَّقَلِّيُّ غَيْرَ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ: ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مَنْعِ ضَرَرِ الصَّوْتِ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: " اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي ".

ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ هَذَا بِدَلِيلٍ. اُنْظُرْ ابْنَ عَرَفَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَانْظُرْ أَوَاخِرَ نَوَازِلِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِمَّا يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ آخَرَ أَوْ قُرْبَ دَارٍ لَا يَضُرُّهَا الدُّخَانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>