للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُزَارَعَةُ شَرِكَةٌ فِي الْحَرْثِ (لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ) الْمُتَيْطِيُّ: الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ بِالْعَقْدِ كَالْكِرَاءِ وَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ وَالْجُعْلِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْهُ. وَقِيلَ: إنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالشَّرِكَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ (وَصَحَّتْ إنْ سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَصْلُحُ الشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَا الْبَذْرَ نِصْفَيْنِ وَيَتَسَاوَيَا فِي قِيمَةِ أَكْرِيَةِ مَا يُخْرِجَانِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الْأَرْضُ وَلِلْآخَرِ الْبَقَرُ، وَالْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ عَلَيْهِمَا إذَا تَسَاوَيَا، وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَذْرَ وَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَقِيمَةُ الْبَذْرِ وَكِرَاءُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَى نِصْفَ أَرْضِهِ بِطَعَامِ صَاحِبِهِ. وَلَوْ اكْتَرَيَا الْأَرْضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا جَازَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ كُلَّهُ وَالْآخَرُ الْبَقَرَ وَالْعَمَلَ، وَكِرَاءُ ذَلِكَ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ سَوَاءٌ، وَإِذَا سَلِمَ الْمُتَزَارِعَانِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ الْآخَرِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ، إنْ تَسَاوَيَا، وَلَمْ يَفْضُلْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِشَرْطٍ فِي عَمَلٍ وَلَا نَفَقَةٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ.

قَالَ سَحْنُونَ: إنْ تَفَاضَلَا فِي الْعَمَلِ تَفَاضُلًا كَثِيرًا لَهُ بَالٌ فَالشَّرِكَةُ تَفْسُدُ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ التَّفَاضُلُ يَسِيرًا لَمْ تَفْسُدْ الشَّرِكَةُ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ تُلْغَى الْأَرْضُ الَّتِي لَا كِرَاءَ لَهَا.

وَاَلَّذِي نَقَلَ أَهْلُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ أَيْ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمُتَزَارِعَيْنِ إذَا سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ مِمَّنْ كَانَ، وَشَرِكَتُهُمَا جَائِزَةٌ إذَا اعْتَدَلَا فِي الزَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَوِّمَا الْعَمَلَ وَلَا عَرَفَا كِرَاءَ الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ.

وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: إنْ كَانَ الْعُرْفُ بِالْبَلَدِ أَنَّ الْحَصَادَ وَالدِّرَاسَ وَالتَّصْفِيَةَ عَلَى الْعَامِلِ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ جَمِيعِ الْعَمَلِ مُسَاوِيًا لِكِرَاءِ الْأَرْضِ جَازَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يُجِزْهُ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ.

قَالَ: وَيُعْقَدُ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَى الْعَامِلِ يَعْنِي بَعْدَ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ مَا يَحْتَاجُ الزَّرْعُ إلَيْهِ مِنْ خِدْمَةٍ وَسَقْيٍ وَتَنْقِيَةٍ وَحَصَادٍ وَنَقْلِهِ إلَى الْأَنْدَرِ وَدِرَاسَتِهِ فِيهِ وَتَصْفِيَتِهِ إلَى أَنْ يَصِيرَ حَبًّا مُصَفًّى فَيَقْسِمَانِهِ عَلَى الْكَيْلِ.

قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِمَارَةٌ لِرَبِّهَا وَبَاعَهَا مِنْ الْعَامِلِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>