مَا مَضَى مِنْ حُكْمِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا: " لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقُسَّامِ فِيمَا قَسَمُوا ". ابْنُ عَرَفَةَ: فِيمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَفَسَّرَ بِهِ الْمُدَوَّنَةَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ الْعَاقِدُ وَالْمُحَلِّفُ وَالْكَاتِبُ وَالنَّاظِرُ لِلْعَيْبِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أَمَرَهُمْ لَا وَحْدَهُمْ وَلَا مَعَ غَيْرِهِمْ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَعْزُولِ فِيمَا يُذْكَرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِ مَالِكٍ.
(وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: الصُّبْرَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا خِلَافَ فِي قَسْمِهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَعَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ، كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. وَيَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَبِالصَّنْجَةِ الْمَعْلُومَةِ وَالْمَجْهُولَةِ، وَلَا خِلَافَ أَيْضًا إنْ قَسَمَهُ جُزَافًا بِغَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَحَرٍّ، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُدَّخَرِ دَخَلَهُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ. وَأَمَّا قَسْمُهُ تَحَرِّيًا فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَوْزُونِ. انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ: " يَدْخُلُهُ عَدَمُ الْمُمَاثَلَةِ " إنْ كَانَ يَعْنِي الْمُزَابَنَةَ إذْ قَالَ إنَّهُ يَجُوزُ الْقَسْمُ عَلَى التَّفْضِيلِ الْبَيِّنِ وَقَدْ نَصَّ اللَّخْمِيِّ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَقَالَ: إنَّ التَّفَاضُلَ يَجُوزُ فِي الْمُقَاسَمَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَلَوْ كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي قَفِيزِ طَعَامٍ فَاقْتَسَمَاهُ الثُّلُثَ وَالثُّلُثَيْنِ جَازَ.
قَالَ: وَالتَّرَاخِي أَيْضًا جَائِزٌ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ مَا يَقَعُ الْيَوْمَ بَيْنَ الْمُتَزَارِعِينَ أَنْ يَحْمِلَ أَحَدُهُمَا مَا تَصَفَّى مِنْ الزَّرْعِ إلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى لِيَوْمٍ آخَرَ يَحْمِلُ شَرِيكُهُ مِمَّا يَتَصَفَّى بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَارِهِ. وَسَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ أَيْضًا أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَنْ يَأْخُذَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ بِرِضَا شَرِيكِهِ حَتَّى يَأْخُذَ الشَّرِيكُ النَّجْمَ الْآخَرَ.
(لَا إنْ زَادَ كَيْلًا أَوْ عَيْنًا لِدَنَاءَةٍ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى تَوْزِيعِ اللَّحْمِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى قِسْمَةِ كَرْمِ الْمُسَاقَاةِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ فِي قِسْمَةِ تَمْرِ الْحَائِطِ تَفْضِيلُ أَحَدٍ فِي الْكَيْلِ لِرَدَاءَةِ حَظِّهِ وَلَا التَّسَاوِي فِي الْمِقْدَارِ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ آخِذُ الْجَيِّدِ ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ. اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْعَفِنَةَ وَيَأْخُذَ الْآخَرُ الصَّحِيحَةَ يَعْنِي بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْعَفِنَةُ دُونَ الصَّحِيحَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنْ دَارَ فَضْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُنِعَ. وَيَبْقَى النَّظَرُ إنْ كَانَ الْأَفْضَلُ الْأَكْثَرَ فَمُنِعَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا صُبْرَةُ قَمْحٍ وَصُبْرَةُ شَعِيرٍ، وَالْقَمْحُ أَكْثَرُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْقَمْحَ وَالْآخَرُ الشَّعِيرَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ صُبْرَةِ الْقَمْحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute