لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ، «وَقَدْ أَسْقَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّمَانَ عَنْ الْأَجِيرِ» . وَخَصَّصَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ الصُّنَّاعَ وَضَمَّنُوهُمْ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا لِضَرُورَةِ النَّاسِ. وَكَانَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ الْغَالِبَةِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا ثَبَتَ ضَيَاعُهُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ ضَمَّنَهُمْ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى التَّلَفِ. وَلِقَوْلِهِ حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَجَبَ أَنْ يَضْمَنُوا
لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْهُمْ بِالْبَيِّنَةِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْمَصَالِحُ وَقَطْعُ الذَّرَائِعِ لَا يُخَصَّصُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ. أَصْلُ ذَلِكَ شَهَادَةُ الِابْنِ لِأَبِيهِ وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. أَصْلُهُ الْغَاصِبُ، وَلِأَنَّ مَنْ قَبَضَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. أَصْلُهُ الْقَرْضُ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ (لَا غَيْرُهُ وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ) .
ابْنُ شَاسٍ: قَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا لَا صَنْعَةَ لَهُ فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الصَّانِعِ مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُنْتَسَخِ مِنْهُ وَالْمِثَالُ الَّذِي يُعْمَلُ عَلَيْهِ وَجَفِيرُ السَّيْفِ الَّذِي يُصَاغُ عَلَى نَصْلِهِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُلِّمَ لِلصَّانِعِ بِغَيْرِ جَفِيرٍ فَسَدَ، وَمِثْلُهُ ظَرْفُ الْقَمْحِ وَالْعَجِينِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَلِيظًا لَا يَحْتَاجُ لِوِقَايَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَضْمَنُ الْمِنْدِيلَ وَإِلَّا فَفِي طَرْحِ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute