للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا لِعُذْرٍ كَنِسْيَانٍ) الْمَازِرِيُّ: الْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمُدَّعِي. ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ثَلَاثِينَ دِينَارًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ الطَّالِبُ: لَمْ آذَنْ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ وَلَمْ أَرْضَ بِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ تُعَادَ هَذِهِ الْيَمِينُ.

فَأَمَرَ الْقَاضِي غُلَامَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَالِهِ الثَّلَاثِينَ دِينَارًا كَرَاهَةَ أَنْ يُكَلِّفَهُ إعَادَةَ يَمِينٍ قَضَى عَلَيْهِ بِهَا. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: فَإِذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا قَضَى لَهُ بِهَا.

قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهَا.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيِّنَةٍ تَارِكًا لَهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ، فَلَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ قُدِّمَتْ بَيِّنَةٌ.

وَقِيلَ: إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِهَا لِيَهُودِيٍّ وَقَالَ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ اسْتَحْلَفَهُ وَلَهُ بَيِّنَةٌ يَعْلَمُهَا لَمْ تُسْمَعْ ".

(أَوْ وَجَدَ ثَانِيًا أَوْ مَعَ يَمِينٍ لَمْ يَرَهُ الْأَوَّلُ) اُنْظُرْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فَرْعٌ وَاحِدٌ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَجْهُ الْحُكْمِ فِي الْقَضَاءِ إذَا أَدْلَى الْخَصْمَانِ بِحُجَّتِهِمَا فَفَهِمَ الْقَاضِي عَنْهُمَا وَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَقُولَ لَهُمَا أَبْقَيْت لَكُمَا حُجَّةً، فَإِنْ قَالَا لَا حُكْمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ حُجَّةٌ بَعْدَ إنْفَاذِ حُكْمِهِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ بَقِيَتْ لِي حُجَّةٌ أَمْهَلَهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ حَكَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ أَنَّ نَقْضَ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَأْتِيَا بِأَمْرٍ يَرَى أَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَقَالَ الْخَصْمُ لَا أَعْلَمُ لِي شَاهِدًا آخَرَ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ثُمَّ وَجَدَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلْيَقْضِ بِهَذَا الْآخَرِ. وَمِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ.

(وَلَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ أَوَّلًا وَكَذَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِفِسْقِ شُهُودِهِ) الْمَازِرِيُّ: وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ قَدْ كُنْت اسْتَحْلَفْتنِي فَاحْلِفْ لِي عَلَى ذَلِكَ؛ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ وَجَبَ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ قَامَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عُدُولٍ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِفِسْقِهِمْ وَلَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ إذَا قَالَ لَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّمَا أَعْلَمُ بِعِلْمِك بِفِسْقِ شُهُودِك، وَكَذَا إنْ قَالَ لَهُ احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّك لَمْ تَسْتَحْلِفْنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ يَمِينًا ثَانِيَةً، وَبِهَذَا مَضَى الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَالْفُتْيَا عِنْدَنَا أَنْ يَلْزَمَ الْمُدَّعِي الْيَمِينُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اسْتَحْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ مَرَّةً أُخْرَى.

(وَأَعْذَرَ بِأَبْقَيْتُ لَك حُجَّةٌ) الْمُتَيْطِيُّ: الْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ. يُقَالُ أَعْذَرَ الرَّجُلُ أَيْ أَتَى بِعُذْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>