ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ الْجَرْحُ مِنْ وَجْهِ الْإِسْفَاهِ؛ فَمَنَعَهُ أَصْبَغُ وَأَجَازَهُ سَحْنُونَ وَقَالَ: يُمَكَّنُ الْخَصْمُ مِنْ تَجْرِيحِ الرَّجُلِ الْبَيِّنِ الْفَضْلِ وَالْمُبَرِّزِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ جَرْحِهِ بِالْإِسْفَاهِ وَغَيْرِهَا.
وَاخْتُلِفَ بَعْدَ الْقَوْلِ بِقَبُولِ تَجْرِيحِهِ وَيُقْبَلُ ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدِهَا لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالثَّالِثِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالرَّابِعِ لِمُطَرِّفٍ قَالَ: يُجَرَّحُ الشَّاهِدُ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَالْعَدَاوَةِ. اللَّخْمِيِّ: وَهَذَا أَحْسَنُ لِأَنَّ الْجَرْحَ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَهِيَ بِشَهَادَةٍ وَعِلْمٍ عِنْدَهُ يُؤَدِّيهِ مِثْلَ سَائِرِ الشَّهَادَاتِ.
وَالِاسْتِحْسَانُ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ لَيْسَ بِالْمُبَرِّزِ قَبْلَ جَرْحِهِ مِنْ عَدْلٍ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ هَلْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ مُبَرِّزًا قُبِلَ مِنْ مُبَرِّزٍ كَانَ أَيْضًا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، وَلْيُسْأَلْ الْمُجَرِّحُ بِمَاذَا يُجَرِّحُهُ؛ فَإِنْ ذَكَرَ وَجْهًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَنْفَرِدَ ذَلِكَ بِمَعْرِفَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ قُبِلَ مِنْ مُجَرِّحِهِ وَجَازَ ذَلِكَ.
(وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِلَا حَدٍّ) ابْنُ عَرَفَةَ: جُرْحَةُ الْفِسْقِ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْفِقْهِ.
الْمَازِرِيُّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ثَبَتَ إنَّمَا تُقْبَلُ بِدَلَالَةِ حَالِهِ وَالْقَرَائِنِ عَلَى صِدْقِهِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْعَدَالَةِ، وَلَا تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ وَوَقَّتَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالتَّحْقِيقُ مَا قُلْنَاهُ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَزَوَالُ الْعَدَاوَةِ كَالْفِسْقِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا لِغَيْرِهِ. رَاجِعْهُ فِيهِ.
(وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ لَمْ يُزَكِّ شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فَالْعَكْسُ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ امْتَنَعَتْ لَهُ امْتَنَعَتْ فِي تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَتَجْرِيحِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ امْتَنَعَتْ فِي الْعَكْسِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: أَقَلُّ مِنْ شَطْرِ عَدَدِ كَلِمَاتِهِ التَّزْكِيَةُ فِي شَيْءٍ بِهِ كَشَهَادَتِهِ بِهِ وَالتَّجْرِيحُ فِيهِ كَشَهَادَةٍ بِنَقِيضِهِ عِلَّةُ الْجَمِيعِ جَرُّ نَفْعٍ أَوْ دَفْعُ ضُرٍّ (إلَّا الصِّبْيَانَ) قَالَ الْمُقْرِي: كُلُّ مَنْ لَيْسَ بِحُرٍّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُسْتَعْمَلٍ لِمُرُوءَةِ مِثْلِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بَعْضِ ذُكُورِ صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّمَاءِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الذُّكُورِ فِي جِرَاحِهِمْ الْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا وَشَرَطَ الْقَاضِي أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْقِلُ الشَّهَادَةَ. ابْنُ عَرَفَةَ: لِقَوْلِهَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا (لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ) اللَّخْمِيِّ: فِي إلْحَاقِ النِّسَاءِ بِالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ فِي الْمَآتِمِ وَالْعُرْسِ وَالْحَمَّامِ، نَقَلَ الْجَلَّابُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: وَلَوْ لَمْ تَكُونَا عَدْلَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ وَأَرَى أَنْ يُقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْجَلَّابِ أَنَّ الْمَذْهَبَ سُقُوطُهَا (فِي جَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ) ابْنُ سَحْنُونٍ: قُلْت لِسَحْنُونٍ: لِمَ أَجَزْتَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَيْنَهُمْ فِي الْجِرَاحِ وَلَمْ تُجِزْهَا فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ؟ قَالَ: لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ يَحْضُرُهَا الْكِبَارُ. قُلْت: فَيَلْزَمُك أَنْ تُجِيزَهَا فِي غَصْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا. قَالَ: هَذَا مَوْضِعُ اتِّبَاعِ الْمَاضِينَ وَلَا وَجْهَ لِلْقِيَاسِ فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ أَوْ كَالسُّنَّةِ (وَالشَّاهِدُ حُرٌّ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الصِّبْيَانُ الْمَمَالِيكُ وَلَا أَحْفَظُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا أَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا