وَقَضَى عَلَيْهِمَا بِمَا يُقْضَى عَلَى الرَّاجِعِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إثْرَ هَذَا الْفَرْعِ: أَمَّا لَوْ ثَبَتَ كَذِبُهُمْ نَقَضَ إذَا أَمْكَنَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ثُبُوتُ كَذِبِهِمْ عَسِرٌ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ عَلَى تَجْرِيحِ الشُّهُودِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ بِالْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَشْهَدُونَ بِكَذِبِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَلِهَذَا عَلَّقَ الْمُؤَلِّفُ ثُبُوتَ كَذِبِهِمْ عَلَى الْإِمْكَانِ وَإِلَيْهِ يَعُودُ هَذَا الشَّرْطُ لَا إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ.
ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُهُ: " ثُبُوتُ كَذِبِهِمْ عَسِيرٌ " يَرُدُّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَخِيرًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَجْبُوبِ وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ شَهِدَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا، وَبِقَوْلِهَا فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيمَنْ شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ إلَخْ، الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إنْ أَمْكَنَ رَاجِعٌ إلَى ثُبُوتِ كَذِبِهِمْ لَا إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ وَهْمٌ، وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ لِمَنْ أَنْصَفَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ لَا إلَى ظُهُورِ كَذِبِهِمْ لِأَنَّ نَقْضَهُ قَدْ لَا يُمْكِنُ كَكَوْنِهِ حُكْمًا بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَقَعَ، وَقَدْ يُمْكِنُ كَكَوْنِهِ بِاسْتِحْقَاقِ رُبْعٍ.
وَنَحْوِهِ كَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ بِمَوْتِهِ بَيِّنَةٌ فَبِيعَتْ تَرِكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا، فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْتِقَ وَأَمَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ. وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ ابْنَ هَذَا عَمْدًا فَقَضَى بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَدِمَ الِابْنُ حَيًّا، غَرِمَ الشَّاهِدُ أَنَّ دِيَتَهُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا عَلَى الْأَبِ.
اُنْظُرْ الْبَحْثَ فِي هَذَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ: وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَى فَرَجَمَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ وُجِدَ مَجْبُوبًا لَمْ يَحُدَّ الشُّهُودُ إذْ لَا يُحَدُّ مَنْ قَالَ لِلْمَجْبُوبِ يَا زَانِي، وَعَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ وَجِيعِ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ. وَمِنْ الْمَوَّازِيَّةِ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا فَحَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ وَدُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَذَهَبُوا بِهِ لِيَقْتُلُوهُ فَرَجَعَا وَأَقَرَّا بِالزُّورِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ الْقَوْلُ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَنْفُذُ فِيهِ الْقَتْلُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنْ أَقِفُ عَنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ وَشَبَهُهُ وَأَرَى فِيهِ الْعَقْلَ أَحَبَّ إلَيَّ انْتَهَى.
رَاجِعْ أَنْتَ هَذِهِ النُّصُوصَ فَإِنِّي قَدْ أَجْحَفْت فِي الِاخْتِصَارِ حَتَّى فِي نَقْلِي عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْ مَا كَانَ الْقَصْدُ إلَّا الْإِشَارَةَ لِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلِيلٌ أَرَادَهُ، ثُمَّ مَعَ هَذَا مَا تَحَصَّلَ لِي مِنْ عِبَارَةِ خَلِيلٍ حَاصِلٌ فَانْظُرْهُ أَنْتَ.
(وَلَا يُشَارِكُهُمْ شَاهِدَا الْإِحْصَانِ) ابْنُ يُونُسَ: إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَشَهِدَ عَلَيْهِ اثْنَانِ غَيْرُهُمْ بِالْإِحْصَانِ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ جَمِيعُ الشُّهُودِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الدِّيَةُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا وَلَا شَيْءَ عَلَى شَاهِدَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute