هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ طَاعَةِ مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ بِمُغَالَبَةٍ وَلَوْ تَأَوُّلًا. قَالَ: وَحُكْمُ ثُبُوتِ الْإِمَامَةِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحَدِيثِ. وَخَتَمَ أَبُو الْمَعَالِي كِتَابَ اللُّمَعِ بِمَا نَصُّهُ: فَصْلٌ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُسْتَجْمِعًا لِشَرَائِطِ الْفَتْوَى.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ قُرَشِيَّ النَّسَبِ.
الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَا نَخْوَةٍ وَكَفَاءَةٍ فِي الْمُعْضِلَاتِ وَنُزُولِ الدَّوَاهِي وَالْمُلِمَّاتِ.
فَهَذِهِ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ تَلَقَّاهَا الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ أَمَّا فِيمَا تَكْمُلُ بِهِ هِدَايَةُ الْمُسْتَرْشِدِينَ وَيَقَعُ بِهِ الْإِقْنَاعُ فِي أُصُولِ الدِّينِ انْتَهَى الْفَصْلُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ: تُتَصَوَّرُ إمَامَةُ الْعَبْدِ اُنْظُرْهُ بَعْدَ هَذَا. وَقَالَ فِي إرْشَادِهِ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُهْتَدِيًا إلَى مَصَالِحِ الْأُمُورِ وَضَبْطِهَا، ذَا نَجْدَةٍ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ وَسَدِّ الثُّغُورِ، ذَا رَأْيٍ مُصِيبٍ فِي النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، لَا تُزَعْزِعُهُ هَوَاءَةُ نَفْسٍ وَلَا خَوْرُ طَبِيعَةٍ عَنْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَالتَّنْكِيلِ لِلْمُسْتَوْجِبَيْنِ الْحُدُودَ، وَيَجْمَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ الْكَفَاءَةَ وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ إجْمَاعًا.
قَالَ: وَمِنْ شَرَائِطِ الْإِمَامَةِ الْوَرَعُ وَالْعَدَالَةُ وَكَيْفَ يَتَصَدَّرُ لَهَا مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: افْتَرَضَ اللَّهُ قِتَالَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ: وَإِنْ كَانُوا يَظْلِمُونَ الْوَالِيَ الظَّالِمَ فَلَا يَجُوزُ لَك الدَّفْعُ عَنْهُ وَلَا الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسَعُك الْوُقُوفُ عَنْ الْعَدْلِ كَانَ هُوَ الْقَائِمَ أَوْ الْمُقَامَ عَلَيْهِ.
قَالَ عِيَاضٌ: انْحَدَرَ الْمَأْمُونُ إلَى مُحَارَبَةِ بَعْضِ بِلَادِ مِصْرَ وَقَالَ لِلْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ: مَا تَقُولُ فِي خُرُوجِنَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ عَنْ قِتَالِ أَهْلِ دَمِكَ فَقَالَ: إنْ كَانُوا خَرَجُوا عَنْ ظُلْمِ السُّلْطَانِ فَلَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ، وَمِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: ٣٠] لَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُسَارِعُوا إلَى نُصْرَةِ مُظْهِرِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَطْلُبُ الْمُلْكَ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فَيَعُودَ بِخِلَافِ مَا أَظْهَرَ. وَسَأَلَ ابْنُ نَصْرٍ مَالِكًا عَنْ الْفِتَنِ بِالْأَنْدَلُسِ وَكَيْفِيَّةِ الْمَخْرَجِ مِنْهَا إذَا خَافَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا أَنَا فَمَا أَتَكَلَّمُ فِي هَذَا بِشَيْءٍ فَأَعَادَ الرَّجُلُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنِّي رَسُولُ مَنْ خَلْفِي إلَيْك فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: كُفَّ عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ وَأَنَا لَك نَاصِحٌ وَلَا تُجِبْ فِيهِ.
وَلِابْنِ مُحْرِزٍ فِي تَبْصِرَتِهِ: مَنْ شَارَكَ فِي عَزْلِ إنْسَانٍ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْمَنْ سَفْكَ دَمِ مُسْلِمٍ فَقَدْ شَارَكَ فِي سَفْكِ دَمِهِ إنْ سُفِكَ، رَاجِعْهُ فِي مَصْرِفِ الزَّكَاةِ مِنْهُ.
وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُمَا: مَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ: " وَلَا تُنَازِعْ الْأَمْرَ أَهْلَهُ " يَعْنِي مَنْ مَلَكَهُ لَا مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيمَنْ يَمْلِكُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ