وَالرُّجُوعُ إحْدَاثُ سَفَرٍ ثَانٍ.
قَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَفْرُغُ مِنْهَا فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فَيَقْصُرُ، وَإِنْ شَكَّ أَتَمَّ.
(وَإِنْ نَوَاهَا بِصَلَاةٍ شَفَعَ وَلَمْ تَجْزِ حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَةً، ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ شَفَعَهَا وَسَلَّمَ وَكَانَتْ لَهُ نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ إمَامًا قَدَّمَ غَيْرَهُ وَخَرَجَ وَأَنْشَأَ هُوَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ (وَبَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ لَمْ أَرَ الْإِعَادَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةً وَأَحَبُّ إلَى أَنْ يُعِيدَ.
وَفِي التَّفْرِيعِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا فِي وَقْتٍ وَلَا بَعْدَهُ، وَقَدْ قِيلَ: يُعِيدُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُقِيمٌ اسْتِحْبَابًا.
ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ أَحْرَمَ الْمُسَافِرُ بِالْعَصْرِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَبَعْدَ رَكْعَةٍ نَوَى الْإِقَامَةَ إنْ كَانَ رَكَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ صَيَّرَهَا نَافِلَةً وَابْتَدَأَ صَلَاةَ مُقِيمٍ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَمْ تَضُرَّهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ (وَإِنْ اقْتَدَى مُقِيمٌ بِهِ فَكُلٌّ عَلَى سُنَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إنْ صَلَّى مُقِيمٌ خَلْفَ مُسَافِرٍ فَلْيُتِمَّ الْمُقِيمُ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ.
(وَكُرِهَ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا يَتَقَرَّرُ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَى أَنَّ نَقِيضَ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ (كَعَكْسِهِ وَتَأَكَّدَ) .
الْبَاجِيُّ: إذَا اجْتَمَعَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَؤُمَّ الْمُسَافِرِينَ أَحَدُهُمْ وَالْمُقِيمِينَ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ أَمَّ الْجَمِيعَ أَحَدُهُمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ مُسَافِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَغَيَّرُ صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهُ.
وَكَرِهَ مَالِكٌ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَرَاءَ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّ فِي إتْمَامِهِ تَغْيِيرَ صَلَاتِهِ إلَّا لِمَعَانٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنْ ائْتَمَّ بِهِ فَلَا يُعِيدُ.
ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ فَضِيلَةَ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ آكَدُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ لِلْقَوْمِ السَّفْرِ أَنْ يُقَدِّمُوا مُقِيمًا يُتِمُّ بِهِمْ إذَا كَانَ ذَا سِنٍّ وَفَضْلٍ لِمَا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ مِنْ الرَّغْبَةِ أَوْ صَاحِبَ مَنْزِلٍ لِمَا فِي تَرْكِ ائْتِمَامِهِ بِهِمْ مِنْ بَخْسِهِ حَقَّهُ؛ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ.
ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: " إنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصْرِ " لِأَنَّ كِلَيْهِمَا سُنَّةٌ وَتَزِيدُ الْجَمَاعَةُ بِتَفْضِيلِ الْأَجْرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى.
وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -