للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ هَذَا الْقِسْمِ.

انْتَهَى نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ. وَأَذْكُرُ هُنَا حِكَايَةً حَدَّثَنِي شَيْخِي الْأُسْتَاذُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّنَاعُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَرَّرَ فِي الْمِيعَادِ هَذَا الْقِسْمَ مُقَلِّدًا لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا لِلْقِنْيَةِ أَوْ قَرْيَةً أَوْ كَرْمًا ثُمَّ بَدَا لَهُ وَبَاعَهُ بِمَالٍ مُنَجَّمٍ زَكَّى كُلَّ نَجْمٍ سَاعَةَ يَقْبِضُهُ فَكَبُرَ هَذَا عَلَى الْعَامَّةِ فَقَالُوا: مَا عَمِلَ بِهَذَا أَحَدٌ وَلَا سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ: فَارْتَفَعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِلَّذِي كَانَ لَهُ الظُّهُورُ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُخْطِئٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدِي مُسَلَّمَةً هَكَذَا إلَى أَنْ طَالَعْتُ ابْنَ عَرَفَةَ فَرَأَيْتُهُ جَعَلَهَا طَرِيقَيْنِ. وَمُلَخَّصُ كَلَامِهِ أَنَّ حَوْلَ ثَمَنِ عَرْضِ الْقِنْيَةِ الْحَالِّ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُتَأَجِّلِ طَرِيقَانِ: اللَّخْمِيِّ عَنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إنْ مَلَكَ لَا بِشِرَاءٍ بِنَاضٍّ، وَأَمَّا إنْ مَلَكَهُ بِشِرَاءِ نَاضٍّ فَحَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ بَاعَ بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.

فَانْظُرْ مَأْخَذَ هَذَا الْمُعْتَرِضِ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ وَهَذَا الْوَقَارُ الَّذِي الْتَزَمَهُ مَعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ لِلْقِنْيَةِ دَارًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ السِّلَعِ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ؛ فَمَطَلَ بِالنَّقْدِ أَوْ بَاعَهَا إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ مَطَلَ بِالثَّمَنِ سِنِينَ أَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ ثُمَّ قَبَضَهُ، فَلْيَسْتَقْبِلْ بِهِ حَوْلًا بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى كَانَ مُدِيرًا أَوْ غَيْرَ مُدِيرٍ. وَانْظُرْ بَعْدَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " وَلَوْ كَانَ أَوْ لَا لِلتِّجَارَةِ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ نِيَّةِ قِنْيَةٍ ".

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ، فَهَذَا إنْ كَانَ قَبَضَهُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ، مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ بِسِتِّينَ دِينَارًا فَيَقْبِضَهَا مُعَجَّلَةً فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي هَذَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَسَيَأْتِي هَذَا.

قَالَ: الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي إذَا حَالَ الْحَوْلُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا لِأَنَّهَا قَدْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ قَبَضَهَا حَوْلًا كَامِلًا، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ مَا يَجِبُ لَهُ بِالْكِرَاءِ إلَى أَنْ يُزَكِّيَ جَمِيعَ السِّتِّينَ بِانْقِضَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَعْوَامِ.

ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا الدَّيْنُ مِنْ الْغَصْبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُزَكِّيهِ زَكَاةً وَاحِدَةً سَاعَةَ يَقْبِضُهُ، وَأَمَّا دَيْنٌ لِقَرْضٍ فَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَأَمَّا الْمُدِيرُ فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُقَوِّمُ كُلَّ عَامٍ وَأَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ يُقَوِّمُهُ الْمُدِيرُ وَيُزَكِّيهِ غَيْرُ الْمُدِيرِ إذَا قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً لِمَا مَضَى مِنْ الْأَعْوَامِ.

(وَقُبِضَ عَيْنًا) مِنْ ابْنِ يُونُسَ مَا مَعْنَاهُ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَ وَلَا فِي الْعُرُوضِ حَتَّى تَصِيرَ عَيْنًا، وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ حَوْلٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلْيُزَكِّهَا إذَا قَبَضَهَا مَكَانَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>