أَيْضًا لِابْنِ الْمَوَّازِ قَائِلًا مَا نَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَمَنْ آجَرَ نَفْسَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ بِسِتِّينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا وَعَمِلَ سَنَةً وَهِيَ بِيَدِهِ فَلْيُزَكِّهِ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَبَضَ السِّتِّينَ أُجْرَتَهُ صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمَّا عَمِلَ حَوْلًا سَقَطَ عِشْرُونَ حِصَّتُهُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ وَبِيَدِهِ سِتُّونَ، فَجَعَلَ أَرْبَعِينَ مِنْهَا فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى عَنْ عِشْرِينَ انْتَهَى. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا وَانْظُرْ لَفْظَ خَلِيلٍ فَإِنِّي لَمْ أَفْهَمْهُ. ثُمَّ أَطْلَعَنِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَلَى نَصِّ الْمُؤَلِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَرَضَ - يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ - الْمَسْأَلَةَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَضَهَا فِي عَبْدِهِ أَوْ دَابَّتِهِ لَكَانَ لَهُ شَيْءٌ يُجْعَلُ فِي دَيْنِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ.
قَالَ: وَالْقَوْلُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ تَمَامِ اللَّخْمِيِّ لِأَنَّ عِشْرِينَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِلْكُهُ لَهَا إلَّا الْآنَ وَالْأَرْبَعُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. انْتَهَى نَصُّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَبِهَذَا الْقَدْرِ كُنْت اكْتَفَيْت لَوْ كُنْت اطَّلَعْت عَلَيْهِ وَغَرَّنِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مَا عَزَا هَذَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَخَّرَهُ وَمَا رَشَّحَهُ مَعَ سُقُوطِ لَفْظِ غَيْرٍ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ. وَهُنَا أَيْضًا فَرْعٌ آخَرُ وَهُوَ مَنْ أَكْرَى دَارِهِ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَتَعَجَّلَهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَ الدَّارِ. فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَالْآتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُزَكِّي مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ وَلَا يُزَكِّي مِمَّا وَجَبَ لِلْعَامِ الْمَاضِي وَلَا مِمَّا يَسْكُنُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ السُّكْنَى. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ الْمِائَةِ قَدْرَ قِيمَةِ الدَّارِ عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ فِي هَذَا. لِأَنَّ الدَّارَ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَمِلْكُهَا لَهُ قَائِمٌ ثُمَّ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْ الْعَامِ الثَّانِي مَا لَهُ قَدْرٌ فَيُزَكِّي قَدْرَ مَا يَنُوبُ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَلَّلَ عَلَيْهِ الْحَوْلَ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ عَنْهُ، ثُمَّ إذَا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَهُ قَدْرٌ زَكَّى مَا يَنُوبُ ذَلِكَ كَذَا أَبَدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْعَامُ الثَّانِي فَيُزَكِّي بِانْقِضَائِهِ مَا بَقِيَ مِنْ وَاجِبِ الْعَامِ الْأَوَّلِ.
(وَمَدِينُ مِائَةٍ لَهُ مِائَةٌ مَحْرَمِيَّةٌ وَمِائَةٌ رَجَبِيَّةٌ يُزَكِّي الْأُولَى) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ لَهُ مِائَتَا دِينَارٍ حَوْلُ كُلِّ مِائَةٍ عَلَى حِدَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنُ مِائَةٍ فَلْيَتْرُكْ، فَإِذَا حَلَّ حَوْلُ الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ وَزَكَّى الْأُولَى.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يُزَكِّي الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَذْهَبُ بِأَحَدِهِمَا لَا بُدَّ. وَفِي كِتَابٍ ابْنِ حَبِيبٍ: يُزَكِّي كُلَّ مِائَةٍ فِي حَوْلِهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي الْأُخْرَى. ابْنُ يُونُسَ: تَأْوِيلُ أَبِي مُحَمَّدٍ أَصْوَبُ لِأَنَّهُ إذَا زَكَّى الْأُولَى جَعَلَ الثَّانِيَةَ فِي دَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ قَضَاهَا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُزَكِّي هَذِهِ الَّتِي حَالَ حَوْلُهَا وَيَجْعَلُ دَيْنَهُ فِيهَا أَنْ يُزَكِّيَهَا وَيَجْعَلَ دَيْنَهُ فِي الْأُولَى الَّتِي زَكَّاهَا انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَ ابْنِ رُشْدٍ يَلْزَم مَعَ مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ.
(وَزُكِّيَتْ عَيْنٌ وُقِفَتْ لِلسَّلَفِ) ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ وَذَلِكَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَأَتْبَارِهِمَا. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْبَسًا مَوْقُوفًا لِلِانْتِفَاعِ بِغَلَّتِهِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى مِلْكِ الْمُحْبِسِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً لِمُعَيَّنِينَ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَوْقَفَ مِائَةَ دِينَارٍ لِتَسَلُّفِ النَّاسِ أَوْ جَعَلَ إبِلًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute