للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَرَةِ ضِعْفَيْنِ، وَذَلِكَ أَكْرَمُ الْأَرْضِ وَطَيِّبُهَا، فَلَا تَنْقُصُ ثَمَرَتُهَا بِنُقْصَانِ الْمَطَرِ. وَقِيلَ:

الْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَيَتَضَاعَفُ ثَمَرُهَا، وَأَصَابَهَا طَلٌّ فَأَخْرَجَتْ دُونَ مَا تُخْرِجُهُ بِالْوَابِلِ، فَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تُثْمِرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: زَرْعُ الطَّلِّ أَضْعَفُ مِنْ زَرْعِ الْمَطَرِ وَأَقَلُّ رِيعًا، وَفِيهِ: وَإِنْ قَلَّ تَمَاسُكٌ وَنَفْعٌ. انْتَهَى.

وَدَعْوَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْآيَةِ، عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى أَصَابَهَا وَابِلٌ.

فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ حَتَّى يُجْعَلَ إِيتَاؤُهَا الْأُكُلَ ضِعْفَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ مِنَ الْوَابِلِ وَالطَّلِّ، لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا. وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مِنْ ضَرُورَاتِ الشِّعْرِ، فَيُنَزَّهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمَضْرُوبُ بِهِ الْمَثَلَ أَرْضُ مِصْرَ، إِنْ لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ زَكَتْ، وَإِنْ أَصَابَهَا مَطَرٌ أَضْعَفَتْ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَثَّلَ حَالَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ بِالْجَنَّةِ عَلَى الرَّبْوَةِ، وَنَفَقَتَهَمُ الْكَثِيرَةَ وَالْقَلِيلَةَ بِالْوَابِلِ وَالطَّلِّ، فَكَمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَطَرَيْنِ يُضَعِّفُ أُكُلَ الْجَنَّةِ، فَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُمْ كَثِيرَةً، كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً، بَعْدَ أَنْ يُطْلَبَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَيُبْذَلَ فِيهَا الْوُسْعُ، زَاكِيَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، زَائِدَةٌ فِي زُلْفَاهُمْ وَحُسْنِ حَالِهِمْ عِنْدَهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَرِيبًا مِنْ كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ، قَالَ: أَرَادَ بِضَرْبِ هَذَا الْمَثَلِ أَنَّ كَثِيرَ الْبِرِّ مِثْلُ زَرْعِ الْمَطَرِ، كَثِيرِ النَّفْعِ، وَقَلِيلَ الْبِرِّ مِثْلُ زَرْعِ الطَّلِّ، قَلِيلِ النَّفْعِ. فَلَا يَدَعُ قَلِيلَ الْبِرِّ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَثِيرَهُ، كَمَا لَا يَدَعُ زَرْعَ الطَّلِّ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى زَرْعِ الْمَطَرِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: شَبَّهَ نُمُوَّ نَفَقَاتِ هَؤُلَاءِ الْمُخْلِصِينَ الَّذِينَ يُرَبِّي اللَّهُ صَدَقَاتِهِمْ كَتَرْبِيَةِ الْفَصِيلِ وَالْفَلُوِّ، بِنُمُوِّ نَبَاتِ هَذِهِ الْجَنَّةِ بِالرَّبْوَةِ الْمَوْصُوفَةِ، بِخِلَافِ الصَّفْوَانِ الَّذِي انْكَشَفَ عَنْهُ تُرَابُهُ فَبَقِيَ صَلْدًا.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْجَنَّةِ لَا يَخِيبُ فَإِنَّهَا إِنْ أَصَابَهَا الطَّلُّ حَسُنَتْ، وَإِنْ أَصَابَهَا الْوَابِلُ أَضْعَفَتْ، فَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ. انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: فَطَلٌّ، جَوَابٌ لِلشَّرْطِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ بِحَيْثُ تَصِيرُ جُمْلَةً، فَقَدَّرَهُ الْمُبَرِّدُ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، أَيْ: فَطَلٌّ يُصِيبُهَا، وَابْتُدِئْ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ. وَذَكَرَ بعضهم أن هذا من مُسَوِّغَاتِ جَوَازِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ، وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>